فقلت : وما هو؟ قالا : ما تريدين شيئاً فَتُصَوّريه فى وَهْمك إلا كان، فصورت في نفسي حباً من حِنْطة فإذا أنا بحبّ فقلت : ازرع فانزرع، فخرج من ساعته سُنْبُلاً فقلت : انطحن من ساعته، فقلت : انخبز فانخبز، وأنا لا أريد شيئاً أصوره فى نفسي إلا حصل، فقالت عائشة : ليس لك توبة.
فصل فى أنّ معجزات الله ليست من قبيل السّحر
قال القرطبي رحمه الله تعالى : أجمع المسلمون على أنه ليس من السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل، والضفادع، وفلق البحر، وقلب العصا، وإحياء الموتى، وإنطاق العَجْمَاء وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السلام، والفرق بين السحر والمعجزة أن السحر يأتي بن الساحر وغيره، وقد يكون جماعة يعرفونه، ويمكنهم الإتيان به فى وقت واحد، والمعجزة لا يمكن الله أحداً أن يأتي بمثلها.
فصل في أن العلم بالسحر ليس بمحظور
قال ابن الخطيب : اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس قبيحاً ولا بمحظور؛ لأن العلم لذاته شريف وأيضاً لقوله تعالى :« هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ » [ الزمر : ٩ ] ولأن الساحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بين وبين المُعْجزة، والعلم بكون المعجز معجزاً واجب، [ وما يتوقّف الواجب عليه فهو واجب، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجباً، وما يكون واجباً ] كيف يكون حراماً وقبيحاً. [ ونقل بعضهم وجوب نقله عن المفتي حتى يعلم ما يقتل فيه وما لا يقتل فيفتي به وجوب القصاص ].
فصل في أمور لا تكون من السرح ألبتة
قد تقدم عن القرطبي قوله : أجمع المسلمون على أنه ليس فى السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل والضفادع وفلق البحر وقلب العصا وإحياء الموتى [ وإنطاق العجاء ]، وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السلام فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون، ولا يفعله الله عند إرادة الساحر.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب : وإنما منعنا ذلك بالإجماع، ولولاه لأجزناه نقله القرطبي رحمه الله تعالى فى تفسيره، وأورد عليه قوله تعالى عن حبال سحرة فرعون وعصيهم :﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى ﴾ [ ٦٦ ]، فأخبر عن إقلاب العِصِيّ والحبال بأنها حيّات.
فصل فى أن الساحر كافر أم لا؟
اختلف العلماء فى الساحر هل يكفر أو لا؟
اعلم أنه لا نزاع في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبّرة لهذا العالم، وهي [ الخالقة ] لما فيه من الحوادث، فإنه يكون كافراً مطلقاً، وهو النوع الأول من السحر.
وأما النوع الثاني : وهو أن يعتقد [ أن الإنسان تبلغ روحه ] فى التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البِنْيَةِ والشكل، [ فالظاهر ] إجماع الأمة أيضاً على تكفيره.
وإما النوع الثالث : وهو أن يعتقد السَّاحر أنه [ بلغ ] فى التصفية وقراءة الرّقى وتدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى عقيب أفعاله على سبيل خرق العادة الأجسام والحياة والعقل وتغيير البنية والشكل، والمعتزلة كفروه وغيرهم لم يكفروه.