١٣٤- إِنَّمَا شِعْرِيَ مِلْحٌ قدْ خُلِطَ بِجُلْجُلاَنِ | بتسكين « خُلط » ثم حذف همزة « إليك »، فالتقى مِثْلاَن، فأدغم لامه. |
» خبر عن « هم »، وقدّم المجرور؛ للاهتمام به كما قدم المنفق في قوله :﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ] لذلك، وهذه جملة اسمية عطفت على الجملة الفعلية قبلها فهي صلةٌ أيضاً، ولكنه جاء بالجملة هنا من مبتدأ وخبر لخلاف :« وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ » ؛ لأن وصفهم بالإيقان بالآخرة أوقع من وصفهم بالإنفاق من الرزق، فناسب التأكيد بمجيء الجملة الاسمية، أو لئلا يتكرّر اللفظ لو قيل :« ومما رزقناكم هم ينفقون ».
والمراد من الآخرة : الدَّار الآخرة، وسميت الآخرة آخرة، لتأخرها وكونها بعد فناء الدنيا. والآخرة تأنيث آخر مقابل ل « أول »، وهي صفة في الأصل جرت مجرى الأسماء، والتقدير : الدار الآخرة، والنشأة الآخرة، وقد صرح بهذين الموصوفين، قال تعالى :﴿ وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ ﴾ [ الأنعام : ٣٢ ] وقال :﴿ ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة ﴾ [ العنكبوت : ٢٠ ].
و « يوقنون » من أيقن بمعنى : استيقن، وقد تقدّم أن « أفعل » [ يأتي ] بمعنى :« استفعل » أي : يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان وهو العلم.
وقيل : اليقين هو العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكًّا فيه، فلذلك لا تقول : تيقّنت وجود نفسي، وتيقنت أن السماء فوقي، ويقال ذلك في العلم الحادث، سواء أكان ذلك العلم ضرورياً أو استدلالياً.
وقيل : الإيقان واليقين علم من استدلال، ولذلك لا يسمى الله موقناً ولا علمه يقيناً، إذ ليس علمه عن استدلال.
وقرىء :« يُؤْقِنُون » بهمز الواو، وكأنهم جعلوا ضمّة الياء على الواو لأن حركة الحرف بين بين، والواو المضمومة يطرد قبلها همزة بشروط :
منها ألاّ تكون الحركة عارضة، وألاّ يمكن تخيفها، وألاّ يكون مدغماً فيها، وألاّ تكون زائدة؛ على خلاف في هذا الأخير، وسيأتي أمثلة ذلك في سورة « آل عمران » عند قوله :﴿ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ ﴾ [ آل عمران : ١٥٣ ]، فأجروا الواو السَّاكنة المضموم ما قبلها مُجْرَى المضمومة نفسها؛ لما ذكرت لك، ومثل هذه القراءة قراءةُ قُنْبُلٍ « بالسُّؤْقِ » [ ص : ٣٣ ] و « على سُؤْقِهِ » [ الفتح : ٢٩ ] وقال الشاعر :[ الوافر ]
١٣٥- أَحَبُّ المُؤْقِدَيْنِ إِلَيَّ مُؤْسَى | وَجَعْدَةُ إِذْ أَضَاءَهُمَا الْوَقُودُ |
وجاء بالأفعال الخمسة بصيغة المضارع دلالة على التجدُّد والحدوث، وأنهم كل وقت يفعلون ذلك.
وجاء ب « أنزل » ماضياً، وإن كان إيمانهم قبل تمام نزوله تغليباً للحاضر المنزول على ما لم ينزل؛ لأنه لا بُدّ من وقوع، فكأنه نزل من باب قوله :