﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] لأن الخبرين -هنا- متغايران، فاقتضى ذلك العطف، وأما تلك الآية الكريمة، فإن الخبرين فيها شيء واحد؛ لأن لتسجيل عليهم بالغَفْلَةِ، وتشبيههم بالأنعام معنى واحد، فكانت عن العَطْف بمعزل.
قال الزمخشري : وفي اسم الإشارة هو « أولئك » إيذانٌ بأن ما يراد عقبه، والمذكورين قبله أهل لاكتسابه الخَصَال التي عددت لهم، كقول حاتم :[ الطويل ]
١٣٨- وَللهِ صُعْلُوكٌ.... | ...................... |
١٣٩- فَذَلِكَ إِنْ يَهْلِكْ فَحُسْنَى ثَنَاؤُهُ | وَإِنْ عَاشَ لَمْ يَقْعُدْ ضَعِيفاً مُذَمَّمَاً |
١٤٠- إّنَّ الحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلِحُ... ومنه قول بكر النّطاح :[ الكامل ]
١٤١- لاَ تَبْعَثَنَّ إِلَى رَبِيعةَ غَيْرَهَا | إِنَّ الْحَدِيدَ بِغَيْرِهِ لا يُفْلَحُ |
١٤٢- لَوْ أَنَّ حَيَّا مُدْرِكُ الفَلاَحِ | أَدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الرِّمَاحِ |
١٤٣- نَحُلُّ بِلاَداً كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا | ونَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ |
١٤٤- لِكُلٍّ هَمٌّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ | والمْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لاَ فَلاَحَ مَعَهُ |
فصل فيمن احتج بالآية على مذهبه
هذه الاية يتمسّك بها الوعيدية والمُرْجِئة.
أما الوعيديّة فمن وجهين :
الأول : أن قوله :« وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ » يقتضي الحصر، فوجب فيمن أخل بالصلاة والزكاة أن لا يكون مفلحاً، وذلك يوجب القطع بوعيد تارك الصَّلاةِ والزكاة.
الثاني : أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فيلزم أن تكون علّة الفلاح في فعل الإيمان والصلاة والزكاة، فمن أخلّ بهذه الأشياء لم تحصل له علّة الفلاح، فوجب إلا يحصل الفلاح.
وأما المُرْجئة : فقد احتجّوا بأن الله حكم بالفَلاَح على الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه الآية، فوجب أن يكون الموصوف بهذه الأشياء مفلحاً، وأن زَنَى وشَرِبَ الخَمْرَ وسَرَقَ، وإذا ثبت تحقق العفو في هذه الطائفة ثبت في غيرهم ضرورة؛ لأنه لا قائل بالفرق.
قال ابن الخطيب : والجواب أن كل واحد من الاحتجاجيين معارض بالآخر، فيتساقطان.
والجواب عن قول الوعيدية : أن قوله :« أولئك هم المفلحون » يدل على أنهم الكاملون في الفلاح، فيلزم أن يكون صاحب الكبيرة غير كامل الفلاح، ونحن نقول بموجبه، فإنه كيف يكون كاملاً في الفلاح، وهو غير جازمٍ بالخلاص من العذاب، بل يجوز له أن يكون خائفاً.
وعن الثاني : أن نفي السبب لا يقتضي نفي المسبب، فعندنا من أسباب الفلاح عفو الله تَعَالى.
والجواب عن قول المرجئة : أنّ وصفهم بالتقوى يكفي لنَيْلِ الثواب؛ لأنه يتضمّن اتقاء المعاصي، واتقاء ترك الواجبات، والله أعلم.