ولقائلٍ أن يقولَ : لا نسلم أن « بَرَّ » مأخوذ من « بَارّ » بل هما صِفتان مُسْتقلتَانِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يُدّعَى أنّ « ربَّا » أصله « رابٌّ ».
ومنهم مَنْ : قال إنه مَصْدرٌ « رَبَّهُ -يَرُبُّهُ -رَبَّاً » أي : مَلَكَهُ.
قال :« لأنْ يَرُبَّنِي رَجَلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يَرُبَّنِي رَجَلٌ من هَوَازِنَ ».
فهو مصدر في معنى الفاعل نحو :« رجل عَدْل وصَوْم ».
ولا يُطْلقُ على غَيْرِ الباري -تعالى- إلاّ بقيد إضافةٍ، نحو قوله تعالى :﴿ ارجع إلى رَبِّكَ ﴾ [ يوسف : ٥٠ ]، ويقولون :« هو رَبُّ الدَّارِ، ورَبُّ البَعِير »، وقد قالته الجاهليةُ لِلْمَلِكِ من الناس مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ؛ قال الحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ :[ الخفيف ]
٤٨- وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ | مِ الحِيَارَيْنِ وَالبَلاءُ بَلاَءُ |
وقرأ الجمهورُ :« رَبِّ » مجروراً على النعتِ « لله »، أو البَدَلِ منه.
وقرِئَ مَنْصوباً، وفيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ :
إمَّا بِمَا دَلَّ عليه الحمدُ، تقدِيرُه :« أحمد ربُّ العالمين ».
أو على القطع من التبعية، أو على النِّداءِ وهذا أضعفُهَا، لأنه يُؤَدِّي إلى الفَصْلِ بين الصفة والموصوف.
وقُرِىءَ مَرْفُوعاً على القَطْعِ من التبعية، فيكونُ خبراً لمبتدإٍ مَحْذّوفٍ، أيْ :« هُوَ رَبُّ » وإذْ قد عرض ذِكْرُ القَطْعِ في التَبعيَّةِ، فلنستطردْ ذِكْرَهُ، لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ فنقول :
اعلم أنَّ الموصوفَ إذا كان معلوماً بدون صفته، وكان الوصفُ مَدْحَاً، أو ذماً، أو ترحُّما- جاز في الوَصْفِ الإتباعُ والقطعُ.
والقطعُ : إما على النصْبِ بإضمار فعل لائقٍ، وإمَّا على الرَّفعِ على خَبَرٍ لمبتدإ مَحْذُوفٍ، ولا يجوزُ إظهارُ هذا الناصِبِ، ولا هذا المبتدإ، نحو قولِهم :« الحَمْدُ لله أَهْلُ الحَمْدِ » رُوِيَ بنصبِ « أهْل » ورفعِه، أيْ : أعني أَهْلَ، أو هو أَهلُ الحمدِ.
وإِذا تكررتِ النُّعوتُ، والحالةُ هذه، كُنْتَ مُخَيَّراً بين ثلاثة أوجه :
إما إتباعُ الجَميعِ، أو قَطْعُ الجَميع، أوْ قَطْعُ البَعْضِ، وإتباعُ البَعْضِ.
إلاّ أنك إذا أَتْبَعْتَ البعضَ، وقطعتَ البعضَ وجب أَنْ تَبْدَأ بالإتباعِ، ثُمَّ تأتي بالقَطْعِ من غير عَكْسٍ، نحو :« مررتُ بزيدٍ الفَاضِلِ الكَرِيمُ » ؛ لِئَلاَّ يلزمَ الفصلُ بين الصفَةِ والموصُوفِ بالجملةِ المَقْطُوعَةِ.
و « العَالَمِينَ » خَفْضٌ بالإضافَةِ، عَلاَمةُ خفضِه الياءُ؛ لجريانه مَجْرى جمع المذكرِ السَّالِمِ، وهم اسْمُ جَمْعٍ؛ لأنَّ واحِدَهُ مِنْ غَيْرِ لفظه، ولا يَجوزُ أن يكونَ جمعاً ل « عَالَم » مُرَاداً به العاقل دُونَ غَيْره، فيزولَ المحذْورُ المذكور؟
وأُجِيبَ عنه : بأنه لَوْ جاز ذلك، لَجَازَ أَنْ يُقالَ :« شَيْئُون » جَمْعُ « شَيءٍ » مُرَاداً به العاقل دون غيره، فدل عَدَمُ جَوَازِه على عدم ادّعاءِ ذلك.
وفي الجواب نَظَرٌ، إذْ لِقائل أنْ يقول : شيئون « منع منه مانِعٌ آخرُ، وهو كونهُ لَيْسَ صِفَةً ولا علماً، فلا يلزَمُ مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ » عَالَمِين « مراداً به العاقل.