وقال الكلبي :« هم رؤساء اليَهُودِ والنُعَاندون » وهو قول ابن عباس. والكفر -هنا- الجحود، وهو على أربعة أضرب :
كفر إنكار، وكفر جُحُود، وكفر عِنَادٍ، وكفر نفاق :
ف « كفر الإنكار » : هو ألا يعرف الله أصلاً، ولا يعترف به.
وكفر الجُحُود : هو أن يعرف الله بقلبه، ولا يقر بلسانه، ككفر إبليس؛ قال تعالى :﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ﴾ [ البقرة : ٨٩ ].
وكفر العناد : هو أن يعرف الله بقلبه، ويعترف بلسانه، ولا يدين به؛ ككفر أبي طَالِبٍ؛ حيث يقول :[ الكامل ]

١٥٧- وَلقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلاَ الْمَلاَمَةُ أَوْ حِذَارِ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتَنِي سَمْحاً بِذَاكَ مُبِينَا
وكفر النفاق : هو أن يقر باللسان، ولا يعتقد بالقلب، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله -تعالى- بواحد منها؛ لا يغفر له.

فصل في تحقيق حد الكفر


قال ابن الخطيب : تحقيق القول في حد الكفر أن كل ما نقل عن محمد -E- أنه ذهب إليه، وقال به، فإما أن يعرف صحة ذلك النقل بالضرورة، أو بالاستدلال، أو بخبر الواحد الذي علم بالضرورة، فمن صدق به جميعه، فهو مؤمن، ومن لم يصدق بجميعه، أو لم يصدق ببعضه، فهو كافر، فإذن الكفر عدم تصديق الرسول في شيء مما علم بالضرورة أنه ليس من دين محمد ﷺ.
ومثاله من أنكر وجود الصّانع، أو كونه عالماً مختاراً، أو كونه واحداً، أو كونه منزهاً عن النَّقَائص والآفات، أو أنكر نبوة محمد - ﷺ -؛ كوجوب الصَّلاة والزكاة والصوم والحج وحرمة الربا والخمر، فذلك يكون كافراً.
فأما الذي يعرف بالدليل أنه من دين محمد مثل كونه عالماً بالعلم أو بذاته، وأنه مرئي أو غير مرئي، وأنه خالق أعمال العباد أم لا، فلم ينقل بالتواتر القاطع للعُذْرِ، فلا جرم لم يكن إنكاره والإقرار به داخلاً في ماهيّة الإيمان، فلا يكون موجباً للكفر، والدليل عليه أنه لو جاء جزءاً من ماهية الإيمان لكان يجب على الرسول ألا يحكم بإيمان أحد إلاّ بعد أن يعرف أنه عرف الحق في تلك المسألة بين جميع الأمّة؛ ولنقل ذلك على سبيل التواتر، فلمَّا لم ينقل ذلك دلّ على أنه -E- ما وقف الإيمان عليها، ولما لم يكن كذلك وجب ألا تكون معرفتها من الإيمان، ولا إنكارها موجباً للكفر، ولأجل هذه القاعدة لا يكفر أحد من الأمة من أرباب التأويل، وأما الذي لا سبيل إليه إلا برواية الآحاد، فظاهر أنه لا يمكن توقّف الكفر والإيمان عليه، والله أعلم.

فصل في الردّ على المعتزلة


احتجت المُعْتَزلة بكل ما أخبر الله عن شيء ماض مثل قوله :« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا »، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾


الصفحة التالية
Icon