وقال ابن عطية : جسن ذلك؛ لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلّم من لفظ جمع إلى توحيد.
فلو قلت « » ومن الناس من يقومون « وتتكلّم لم يجز.
وفي عبارة ابن عطية نظر، وذلك لأنّه منه مِنْ مُرَاعاة اللَّفظ بعد مُرَاعاة المعنى، وذلك جائز، إلاَّ أن مراعاة اللّفظ أولاً أولى، يرد عليه قول الشَّاعر :[ الخفيف ]١٧٩- لَسْتُ مِمَّنْ يَكُعُّ أَوْ يَسْتَكِينُو | نَ إِذَاَ كَافَحَتْهُ خَيْلُ الأَعَادِي |
وقال تعالى :﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ ﴾ [ الطلاق : ١١ ] إلى أن قال :» خَالِدين «، فراعى المعنى، ثم قال :» فَقَدْ أَحْسَنَ الله له رِزْقاً «، فراعى اللفظ بعد مُرَاعاة المعنى، وكذا راعى المعنى في قوله :» أو يستكينون «، ثم راعى اللفظ في :» إذا كافحته «، وهذا الحمل جاز فيها من جميع أحوالها، أعني من كونها موصولة وشرطية، واستفهامية.
أما إذا كانت موصوفة فقال الشيخ أثير الدين أبو حَيّان :» ليس في محفوظي من كلام العرب مُرَاعاة المعنى يعني فتقول : مررت بمن محسنون لك.
و « الآخر » صفة ل « اليوم »، وهذا مقابل الأوّل، ومعنى اليوم الآخر : أي عن الأوقات المحدودة.
ويجوز أن يُرَاد به الوقت الَّذي لا حَدّ له، وهو الأبد القائم الذي لا انقطاع له، والمراد بالأخر : يوم القيامة.
« وما هم بمؤمنين » « ما » : نافية، ويحتمل أن تكون هي الحِجَازية، فترفع الاسم وتنصب الخبر، فيكون « هم » اسمها، و « بمؤمنين » خبرها، و « الباء » زائدة تأكيداً.
وأن تكون التَّمِيْمِيّة، فلا تعمل شيئاً، فيكون « هم » مبتدأ، و « بمؤمنين » الخبر، و « الباء » زائدة أيضاً.
وزعم ابو علي الفَارِسِيّ، وتبعه الزمخشري أن « الباء » لا تزاد في خبرها إلاّ إذا كانت عاملة، وهذا مردود بقول الفَرَزْدَقِ، وهو تميمي :[ الطويل ]
١٨٠- لَعَمْرُكَ مَا مَعْنٌ بِتَارِكِ حَقِّهِ | وَلاَ مُنْسِىءٌ مَعْنٌ وَلاَ مُتَيَسِّرُ |
إلا أنّ المختار في
« ما » أن تكون حِجَازية؛ لأنه لما سقطت
« الباء » صرح بالنصب قال الله تعالى :
﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾ [ المجادلة : ٢ ]
﴿ مَا هذا بَشَراً ﴾ [ يوسف : ٣١ ]، وأكثر لغة
« الحجاز » زيادة الباء في خبرها، حتى زعم بعضهم أنه لم يحفظه النصب في غير القرآن، إلاّ قول الشاعر :[ الكامل ]
١٨١- وَأَنَا النَّذِيرُ بِحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ | تَصِلُ الْجُيوشُ إِلَيْكُمُ أَقْوَادَهَا |
أَبْنَاؤُهَا مُتَكَنِّفُونَ أَبَاهُمُ | حَنِقُو الصُّدُورِ وَمَا هُمُ أَوْلاَدَهَا |
وأتى الضمير في قوله :
« وما هم بمؤمنين » جمعاً اعتباراً للمعنى كما تقدّم في قوله :
« آمنا ».