قوله :« يخادعون » هذه الجملة الفعلية يحتمل أن يكون مستأنفةً جواباً لسؤال مقدّر هو : ما بالهم قالوا : آمنا وما هم بؤمنين؟
فقيل : يخادعون الله، ويحتمل أن تكون بدلاً من الجملة الواعقة صلة ل « من » وهي « يقول »، ويكون هذا من بدل الاشْتِمَالِ؛ لأن قولهم كذا مشتمل على الخداع، فهو نظير قوله :[ الرجز ]
١٨٢- إِنَّ عَلَيَّ اللهَ أَنْ تُبَايِعَا | تُؤْخَذَ كَرْهاً أَوْ تَجِيءَ طَائِعَا |
١٨٣- مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا | تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تَأَجَّجَا |
والجمل التي لا مَحَلَّ لها من الإعراب أربع لا تزيد على ذلك -وإن توهّم بعضهم ذلك- وهي : المبتدأ والصِّلة والمُعْترضة والمفسّرة، وسيأتي تفسيرها في مواضعها.
ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالاً من الضَّمير المستكن في [ « يقول » تقديره : ومن الناس من يقول حال كونهم مخادعين.
وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً من الضمير المستكن ] في « بمؤمنين »، والعامل فيها اسم الفاعل.
وقد ردّ عليه بعضهم بما معناه : أن هذه الآية الكريمة نظير :« ما زيد أقبل ضاحكاً »، قال : وللعرب في مثل هذا التركيب طريقان :
أحدهما : نفي القيد وحده، وإثبات أصل الفعل، وهذا هو الأكثر، والمعنى : أن الإقبال ثابت، والضحك منتفٍ، وهذا المعنى لا يتصوّر إرادته في الآية، أعني : نفي الخِدَاع، وثبوت الإيمان.
الطريق الثاني : أن ينتفي القَيْدُ، فينتفي العامل فيه، فكأنه قيل في المثال السابق : لم يقبل، ولم يضحك، وهذا المعنى -أيضاً- غير مراد بالآية الكريمة قطعاً، أعني : نفي الإيمان والخداع معاً، بل المعنى على نَفْي الإيمان، وثبوت الخداع، ففسد جعلها حالاً من الضمير في « بمؤمنين ».
والعجب من أبي البَقَاءِ كيف استشعر هذا الإشكال، فمنع من جعل هذه الجملة في محل جر صفة ل « مؤمنين » ؟ قال : لأن ذلك يوجب نفي خِدَاعهم، والمعنى على إثبات الخداع، ثم جعلها حالاً من ضمير « بمؤمنين »، ولا فرق بين الحال والصفة في هذا.
و « الخداع » أصله : الإخفاءُ، ومنه الأَخْدَعَان : عِرْقان مُسْتَبْطنان في العُنُقِ، ومنه مخدع البيت، وخَدَع الضَّبُّ خِدْعاً : إذا توارى في جُحْرِه، وطريق خادع وخديع : إذا كان مخالفاً للمقصد، بحيث لا يفطن له؛ فمعنى يخادع : أي يوهم صاحبه خلاف ما يريد به المَكْروه.
وقيل : هو الفساد أي يفسدون ما أَظْهَروا من الإيمان بما أَضمروا من الكُفْرِ قال الشاعر :[ الرمل ]
١٨٤- أَبْيَضُ اللَّوْنِ لَذِيذٌ طَعْمُهُ | طَيِّبُ الرِّيقِ إِذَا الرِّيقُ خَدَعْ |