أي : فسد.
ومعنى « يُخَادعون الله » أي : من حيث الصورة لا من حيث المَعْنِى.
وقيل : لعدم عرفانهم بالله -تعالى- وصفاته ظنّوه ممن يُخَادَع.
وقال الزَّمخشري : إن اسم الله -تعالى- مُقْحَم، والمعنى : يخادعون الذين آمنوا، ويكون من باب : أعجبني زيد وكرمه. والمعنى : أعجبني كرم زيد، وإنَّما ذكر « زيد » توطئةً لذكر كرمه.
وجعل ذلك نظير قوله تعالى :﴿ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ]، ﴿ إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ]، وهذا منه غير مُرْضٍ؛ لأنه إذا صح نسبة مخادعتهم إلى الله -تعالى- بالأوجه المتقدّمة، فلا ضرورة تدعو إلى ادعاء زيادة اسم الله تعالى.
وأما « أعجبني زيد وكرمه »، فإن الإعجاب أسند إلى « زيد » بجملته، ثم عطف عليه بعض صفاته تمييزاً لهذه الصفة من بين سائر الصفات للشرف، فصار من حيث المعنى نظيراً لقوله تعالى :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال ﴾ [ البقرة : ٩٨ ].
والمصدر « الْخِدْع » بكسر الخاء، ومثله : الخديعة.
و « فَاعَلَ » له معانٍ خمسة :
المشاركة المعنوية نحو : ضارب زيد عمراً.
وموافقة المجرد نحو :« جاوزت زيداً » أي : جُزْتُه.
وموافقة « أفعل » متعدياً نحو :« باعدت زيداً وأبعدته ». والإغناء عن « أفعل » نحو :« واريت الشيء ».
وعن المجرد نحو : سافرت وقاسيت وعاقبت، والآية « فَاعَل » فيها يحتمل المعنيين الأوّلَيْن.
أما المشاركة فالمُخَادعة منهم الله -تعالى- تقدم معناها، ومخادعة الله إياهم من حيث إنه أجرى عليهم أَحْكام المسلمين في الدنيا، ومُخَادعة المؤمنين لهم كونهم امتثلوا أمر الله -تعالى- فيهم، وأما كونه بمعنى المُجّرَّد، فيبينه قراءة ابن مسعود وأبي حَيَوَةَ « يَخْدَعُونَ ». وقرأ أبو عمرو والرميان « وَمَا يُخَادِعُونَ » كالأولى، والباقون « وَمَا يَخْدَعُونَ »، فيحتمل أن تكونا القراءتان بمعنى واحد، أي : يكون « فَاعَلَ » بمعنى « فَعَل »، ويحتمل أن تكون المُفَاعلة على بابها، أعني صدورها من اثنين، فهم يُخَادعون أنفسهم، حيث يُمَنُّونَها الأباطيل، وأَنْفُسهمْ تخادعهم تمنِّيهم ذلك، فكأنها مُحَاورة بين اثنين، ويكون هذا قريباً من قول الآخر :[ المنسرح ]

١٨٥- لَمْ تَدْرِ مَا لاَ؟ وَلَسْتَ قَائِلَهَا عُمْرَكَ ما عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
وَلَمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرِياً فِيهَا وَفِي أُخْتِهَا وَلَمْ تَلِدِ
وقال آخر :[ الطويل ]
١٨٦- يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ وَفِي الْعَيْشِ فُسْحَةٌ أَيَسْتَوْقِعُ الذُّوبَانَ أَمْ لاَ يَطُورُهَا
قال الومخشري : الاقتصار ب « خادعت » على وجهه أن يُقَال : عني به « فعلت »، إلا أنه على وزن « فاعلت »، لأن الزِّنَةَ في أصلها للمغالبة، والفعل متى غولب فيه جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مُغَال لزيادة قوة الداعي إليه، ويعضده قراءة أبي حيوة المتقدمة.
وقرىء :« وَمَا يُخَدِّعَونَ »، ويُخَدِّعُونَ من خَدَّعَ مشدداً.


الصفحة التالية
Icon