وزعم أبو البَقَاءِ أن كون « ما » موصولةً اسميةً هو الأظهر، قال : لأنّ الهاء المقدرة عائدة على « الَّذِي » لا على المصدر. وهذا الَّذِي قاله غير لازم، إذ لقائل أن يقول : لا نسلّم أنه لا بُدَّ من هاءٍ مقدّرة حتى يلزم جعل « ما » اسمية، بل من قرأ ﴿ يَكْذِبُونَ ﴾ مخففاً فهو عنده يكذبون الرَّسول والقرآن، أو يكون المشدّد بمعنى المخفّف، وقرأ الكوفيون :﴿ يَكْذِبُونَ ﴾ بالفتح والتَّخفيف، والباقون بالضَّم والتشديد.
و « يكذّبون » مضارع « كذَّب » بالتشديد، وله معانٍ كثيرة : الرَّمي بكذا، ومنه الآية الكريمة والتعدية نحو :« فَرَّحْتُ زيداً ».
والتكثير نحو :« قَطَّعْتُ الأثواب ».
والجعل على صفة نحو :« قَطَّرْتُه » أي : جعلته مقطراً؛ ومنه :[ السريع ]
١٩١- قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتَهَا | مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إِلاَّ أَنَا |
والدعاء له نحو :« سَقَّيْتُهُ » أي قلت له :« سَقَاكَ الله ».
أو الدعاء عليه نحو :« عَقَّرْتُه » أي قلت : عَقْراً لك.
والإقامة على الشي نحو : مَرَّضْتُه « والإزالة نحو :» قَذَّيْتُ عينه « أي : أزلت قَذَاها.
والتوجّه نحو :» شَرَّقَ وغَرَّبَ «، أي : توجّه نحو الشرق والغرب.
واختصار الحكاية نحو :» أمَّنَ « قال : آمين.
وموافقة » تَفَعَّلَ « و » فَعَلَ « مخففاً نحو : وَلَّى بمعنى تولّى، وقَدَّرَ بمعنى قَدَر، والإغناء عن » تَفَعَّلَ « و » فَعَلَ « مخففاً نحو » حَمَّرَ « أي تكلم بلغة » حمير «، قالوا :» مَنْ دخل ظَفَارِ حَمَّرَ وعَرَّدَ في القِتَال « هو بمعنى مخففاًن وغن لم يلفظ به.
و » الكذب « اختلف النَّاس فيه، فقائل : هو الإخبار عن الشيء بخير ما هو عليه ذهناً وخارجاً، وقيل : غير ما هو عليه في الخارج، سواء وافق في ما في الخارج أم لا، والصّدق نقيضه.
فصل في معنى الآية
قال المفسرون :﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ شكّ ونفاق ﴿ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً ﴾ ؛ لأن الآيات كانت تنزل آيةً بعد آيةٍ، كلما كفروا بآيةٍ ازدادوا كفراً ونفاقاً، وذلك معنى قوله :﴿ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٥ ] والسورة لم تفعل ذلك، ولكنهم ازدادوا رجساً عند نزولها حين كفروا بها قبل ذلك، وهو كقوله تعالى :﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً ﴾ [ نوح : ٦ ] والدعاء لم يفعل شيئاً من هذا، ولكنهم ازدادوا فراراً عنده، وقال :﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ [ فاطر : ٤٢ ].
قالت المعتزلة : لو كان المراد من المرض -هاهنا- الكفر والجَهْل لكان قوله :﴿ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً ﴾ محمولاً على الكُفْرِ والجَهْلِ، فيلزم أن يكون الله -تعالى- فاعلاً للكفر والجهل.