قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ الآيات.
لمَّا قرر دلائل التوحيد، وأبطل مذاهب عبدة الأصنام، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها.
فالشبهة الأولى : أنَّ رسول الله ﷺ لما احتجَّ على صحة بعثته بكون القرآن معجزة؛ طعنوا فيه، وقالوا : إنه أساطير الأولين، واختلفوا في هذا القول.
فقيل : هو كلام بعضهم لبعض.
وقيل : قول المسلمين لهم.
وقيل : قول المقتسمين الذين اقتسموا [ مكَّة ] ومداخل مكة؛ ينفِّرون عن رسول الله ﷺ إذا سألهم وفود الحاجِّ عمَّا أنزل الله على رسوله.
قوله :« مَاذَا » تقدم الكلام عليها أول البقرة.
وقال الزمخشريُّ :« أو مرفوعٌ بالابتداءِ، بمعنى أي شيء أنزله ربُّكم ».
قال أبو حيَّان :« وهذا غيرُ جائزٍ عند البصريِّين ». يعني : من كونه حذف عائده المنصوب، نحو « زَيْدٌ ضَربْتُ » وقد تقدم خلاف النَّاس في هذا، والصحيح جوازه، والقائم مقام الفاعل، قيل : الجملة من قوله ﴿ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ﴾ لأنها المقولة، والبصريون يأبون ذلك، ويجعلون القائم مقامه ضمير المصدر؛ لأنَّ الجملة لا تكون فاعلة، ولا قائمة مقام الفاعل، و الفاعل المحذوف : إمَّا المؤمنون، وإما بعضهم، وإمَّا المقتسمون.
وقرئ « أسَاطيرَ » بالنصب على تقدير : أنزل أساطير، على سبيل التهكُّم، أو ذكرتم أساطير.
والعامة برفعه على أنَّه خبر مبتدأ مضمر فاحتمل أن يكون التقدير : المنزَّل أساطير على سبيل التَّهكُّم، أو المذكور أساطير، وللزمخشريُّ هنا عبارة [ فظيعة ].
قوله « لِيَحملُوا » لمَّا حكى شبهتهم قال :« لِيَحْمِلُوا » وفي هذه اللام ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنها لامُ الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم، والصغار الموجب لهم، وعلى هذا فقد تمَّ الكلام عند قوله :« الأوَّلِينَ » ثم استؤنف أمرهم بذلك.
الثاني : أنها لام العاقبة، أي : كان عاقبة [ قولهم ] ذلك؛ لأنَّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا؛ فهو كقوله تعالى :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ].
قال :[ الوافر ]
٣٣٠٩- لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا للخَرابِ | ................. |
أحدهما : أنه تعليل مجازي.
قال الزمخشريُّ رحمه الله : واللام للتعليل من غير أن تكون غرضاً؛ نحو قولك « خَرجْتُ مِنَ البَلدِ مَخافَةَ الشَّرِّ ».
والثاني : أنه تعليلٌ حقيقة.
قال ابن عطيَّة بعد حكاية وجه لامِ العاقبةِ :« ويحتمل أن يكون صريح لام كي؛ على معنى قدِّر هذا؛ لكذا » انتهى.
لكنه لم يعلِّقها بقوله « قَالُوا » إنما قدَّر لها عاملاً، وهو « قدَّر » هذا.
وعلى قول الزمخشري يتعلق ب « قَالُوا » لأنها ليست لحقيقة العلَّة، و « كَامِلةً » حالٌ، والمعنى لا يخفَّف من عقابهم شيءٌ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم، وهذا يدل على أنَّه - تعالى - قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً للكل، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفَّار بهذا التكميل فائدة.