ويريد أنه يجوز أن يكون على نزع الخافض أي « في حَسَنة » والموصول مبتدأ، والجملة من القسم المحذوف وجوابه خبره، وفيه ردٌّ على ثعلب؛ حيث منع وقوع جملة القسم خبراً.
وجوَّز أبو البقاء في :« الَّذينَ » النصب على الاشتغالِ بفعلٍ مضمر، أي : لنبوأنَّ الذين.
ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز أن يفسر عاملاً، إلا ما جاز أن يعمل، وإن قلت « زَيْداً لأضْربنَّ » لم يجز، فكذا لا يجوز « زَيْداً لأضْربنَّه ».
قوله :﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ يجوز فيه أن يعود الضمير على الكفار، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لرجعوا مسلمين.
أو على المؤمنين، أي : لاجتهدوا في الهجرة والإحسان كما فعل غيرهم.
فصل : الإحسان عند الإعطاء
روي أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول : خُذه بَاركَ الله لَكَ فِيهِ، هذا ما وَعدكَ الله في الدُّنيَا وما ادَّخرَ لَكَ في الآخرةِ أفضلُ، ثم تلا هذه الآية.
وقيل : المعنى : لنحسنن إليهم في الدنيا. وقيل : الحسنة في الدنيا التوفيق والهداية.
قوله تعالى :﴿ الذين صَبَرُواْ ﴾ محلُّه رفعٌ على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم الذين صبروا، أو نصب على تقدير أمدح، ويجوز أن يكون تابعاً للموصول قبله نعتاً، أو بدلاً، أو بياناً فمحله محله.
والمعنى : أنَّهم صبروا على العذاب، وعلى مفارقة الوطن، وعلى الجهاد، وبذل الأموال، و الأنفس في سبيل الله.
قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ الآية هذه الآية شبهة خامسة لمنكري النبوة، كانوا يقولون : الله أعلى، وأجلُّ من أن يكون رسوله واحداً من البشر؛ بل لو أراد بعثة رسولٍ غلينا كان يبعث ملكاً، وتقدم تقريرُ هذه الشبهة في سورة الأنعام؛ فأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله :﴿ نوحي إِلَيْهِمْ ﴾ والمعنى : أنَّ عادة الله من أول زمان التكليف لم يبعث رسولاً إلاَّ من البشر، وهذه العادة مستمرةٌ، فلا يلتفت إلى طعن هؤلاء الجهال.
ودلت هذه الآية على أنه ما أرسل أحداً من النساءِ، ودلت على أنه ما أرسل أحداً من النساءِ، ودلت على أنه - تعالى - ما أرسل ملكاً، إلاَّ أن ظاهر قوله تعالى :﴿ جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً ﴾ [ فاطر : ١ ] يدل على أن الملائكة رسل الله إلى سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام-، ثم قال الله تعالى :﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر ﴾.
قال ابن عباس - رضي الله عنه- : يريد أهل التوراة، ويدل عليه قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] يعني التوراة. وقال الزجاج : معناه سلوا كلَّ من يذكر بعلم وتحقيق.