الرابع : أنه متعلق ب « نُوحِي » كما تقول : أوحى إليه بحق. ذكره الزمخشري، وأبو البقاء.
الخامس : أنَّ الباء مزيدة في « بالبَيِّناتِ » وعلى هذا؛ فيكون « البَيِّنَات » هو القائم مقام الفاعل؛ لأنها هي الموحاة.
السادس : أن الجارَّ متعلق بمحذوف؛ على أنَّه حالٌ من القائم مقام الفاعل، وهو « إليْهِمْ » ذكرهما أبو البقاء. وهما ضعيفان جدًّا.
السابع : أن يتعلَّق ب « لا تَعْلَمُون » على أنَّ الشرط في معنى : التبكيت والإلزام؛ كقول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني حقِّي.
قال الزمخشريُّ : وقوله تعالى :﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر ﴾ اعتراضٌ على الوجوه المتقدمة، ويعني بقوله :« فاسْئَلُوا » الجزاء وشرطه، وأما على الوجه الأخير، فعدم الاعتراض واضحٌ.
الثامن : أنه متعلق بمحذوف جواباً لسؤالٍ مقدرٍ؛ كأنه قيل : بِمَ أرسلوا؟ فقيل : أرسلوا بالبينات، والزُّبرِ، كذا قدره الزمخشري. وهو أحسن من تقدير أبي البقاءِ : بعثوا لموافقته للدالِّ عليه لفظاً ومعنى.
فصل في تأويل « إلا »
قال البغوي - C- :« إلاَّ » بمعنى « غَيْرَ »، أي : وما أرسلنا قبلك بالبينات، والزبر، غير رجالٍ يوحى إليهم، ولو لم نبعث إليهم ملائكة.
وقيل : تأويله : وما أرسلنا من قبلك إلاَّ رجالاً يوحى إليهم بالبينات والزبر، والبينات والزبر : كل ما يتكامل به الراسالة؛ لأن مدارها على المعجزات الدالة على صدق مدعي الرسالة، وهي البينات على التكاليفِ، التي يبلغها الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - إلى العباد، وهي الزبر.
ثم قال تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ أراد بالذكر الوحي وكان - ﷺ - مبيناً للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة. انتهى.
فصل القرآن ليس كله مجملاً بل منه المجمل والمبين
ظاهر هذه الآية يقتضي أن هذا الذكر مفتقر على بيان رسول الله ﷺ والمفتقر إلى [ البيان ] مجملٌ، فهذا النص يقتضي أنَّ هذا القرآن كله مجمل؛ فلهذا قال بعضهم : متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر؛ لأن القرآن مجمل؛ فلهذا قال بعضهم : متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر؛ لأن القرآن مجملٌ بنص هذه الآية، والخبر مبين لهذه الآية، والمبين مقدم على المجمل. وأجيب : بأن القرآن منه محكمٌ، ومنه متشابه، والمحكم يجب كونه مبيناً؛ فثبت أن القرآن كله ليس مجملاً، بل فيه المجمل.
فقوله :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ محمول على تلك المجملات.