قوله :﴿ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها حال من الهاء في « ظِلالهُ ». قال الزمخشريُّ :« لأنه في معنى الجمع، وهو ما خلق الله من كلِّ شيءٍ له ظل، وجمع بالواو والنون؛ لأنَّ الدُّخورَ من أوصاف العقلاء، أو لأنَّ في جملة ذلك من يعقل فغلب ».
وقد ردَّ أبو حيَّان هذا بأن الجمهور لا يجيزون مجيء الحالِ من المضاف إليه، وهو نظير جَاءنِي غُلامُ هِندٍ ضَاحِكَةً، قال :« ومن أجاز مجيئها منه إذا كان المضاف جزءاً، أو كالجزءِ جوز الحالية منه هنا؛ لأنَّ الظل كالجزء؛ إذ هو ناشئ عنه ».
الثاني : أنها حال من الضمير المستتر في « سُجَّدًا » فهي حال متداخلة.
الثالث : أنها حال من « ظِلالهُ » فينتصب عنه حالان، ثم لك في هذه الواو اعتباران :
أحدهما : أن تجعلها عاطفة حالاً على مثلها، فهي عاطفة، وليست بواو حالٍ، وإن كان خلو الجملة الاسميَّة الواقعة حالاً من الواو قليلاً أو ممتنعاً على رأي، وممن صرح بأنها عاطفة : أبو البقاءِ.
والثاني : أنها واوُ الحال، وعلى هذا فيقال : كيف يقتضي العامل حالين؟.
فالجواب : أنه جاز ذلك؛ لأن الثانية بدلٌ من الأولى، فإن أريد بالسجود التَّذلل والخضوع، فهو بدل كل من كل، وإن أريد به [ حقيقته ]، فهو بدل اشتمالٍ، إذ السجود مشتمل على الدخور.
ونظير ما نحن فيه :« جَاءَ زيْدٌ ضَاحِكاً وهو شاك » فقولك :« وهو شاك » يحتمل الحاليَّة من « زَيْدٍ » أو ضمير « ضَاحِكاً »، والدُّخورُ : التواضع؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٣٣١٨- فَلمْ يَبْقَ إلاَّ دَاخِرٌ في مُخَيَّسٍ | ومُنْجَحِر في غَيْرِ أرْضِكَ في جُحْرِ |
قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ الآية قد تقدم أن السجود على نوعين :
سجود كسجود الصلاة بوضع الجبهة على الأرض، وسجود هو انقياد وخضوع؛ فلهذا قال بعضهم : المراد بالسجود ههنا : الانقيادُ والخضوع؛ لأنه اللائق بالدابة.
وقيل : السجود حقيقة؛ لأنه اللائق بالملائكة عليهم الصلاة والسلام.
وقيل : السجود لفظ مشتركٌ بين المعنيين، وحمل اللفظ المشترك [ على إفادة مجموع معنيين جائز، فيحمل لفظ السجود ههنا على المعنيين معاً، أما في حق الدابة فبمعنى التواضع، وأما في حق الملائكة فبمعنى السجود الحقيقي؛ وهذا ضعيف؛ لأن استعمال اللفظ المشترك ] في جميع مفهوماته معاً غير جائز.
قوله تعالى :﴿ مِن دَآبَّةٍ ﴾ يجوز أن يكون بياناً ل ﴿ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ ويكون لله تعالى في سمائه خلق؛ يدبون كما يدبُّ الخلق الذي في الأرض، ويجوز أن يكون بياناً ل ﴿ مَا فِي الأرض ﴾ فقط.
قال الزمخشريُّ :« فإن قلت : هلاَّ جيء ب » مَنْ « دون » ما « تغليباً للعقلاءِ على غيرهم؟.