وفي قوله :« إيَّاي » التفاتٌ من غيبة؛ وهي قوله « وقَالَ اللهُ » إلى تكلم، وهو قوله « فإيَّاي » ثم التفت إلى الغيبة أيضاً، في قوله تعالى :﴿ وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض ﴾.
فصل
قوله « فارْهَبُونِ » يفيد الحصر، وهو أنَّه لا يرهب الخلق إلاَّ منه، ثم قال :﴿ وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض ﴾.
قال ابن عطية :« والواو في قوله :﴿ وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض ﴾ عاطفة على قوله » إلهٌ واحدٌ «، ويجوز أن تكون واو ابتداءٍ ».
قال أبو حيَّان :« ولا يقال : واو ابتداءٍ إلاَّ لواو الحال، ولا يظهر هنا الحال ».
قال شهابُ الدين : وقد يطلقون واو ابتداء، ويريدون بها واو الاستئناف؛ أي : التي لم يقصد بها عطف ولا تشريك، وقد نصُّوا على ذلك؛ فقالوا : قد يؤتى بالواو أول الكلام، من غير قصدٍ إلى عطفٍ، واستدلوا على ذلك بإتيانهم بها في أول اشعارهم وهو كثيرٌ جدًّا.
ومعنى قوله :« عاطفة على قوله : إلهٌ واحدٌ » أي : أنها عطفت جملة على مفرد، فيجب تأويلها بمفردٍ؛ لأنها عطفت على الخبر؛ فيكون خبراً، ويجوز - على كونها عاطفة - أن تكون عاطفة على الجملة بأسرها، وهي قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ ﴾. وكأن ابن عطية - رحمه الله - قصد بواو الابتداء هذا؛ فإنَّها استئنافيةٌ.
فصل
قال أهل السنة : هذه الآية تدل على أنَّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؛ لأنَّها من جملة ما في السماوات والرض، وليس المراد من كونها لله، أنَّها مفعولة لأجله، ولطاعته؛ لأنَّ فيها المباحاتِ، والمحظورات التي يؤتى بها، لغرضِ الشَّهوةِ، واللَّذةِ، لا لغرضِ الطاعة؛ فوجب أن يكون المراد من كونها لله تعالى أنَّها واقعة بتكوينه وتخليقه.
قوله :﴿ وَلَهُ الدين وَاصِباً ﴾ حال من « الدِّينُ » والعامل فيها الاستقرار المتضمن الجارَّ الواقع خبراً، والواصبُ : الدَّائمُ؛ قال حسَّان :[ المديد ]
٣٣٢١- غَيَّرتهُ الرِّيحُ تَسْفِي بِهِ | وهَزِيمٌ رَعْدهُ وَاصِبُ |
٣٣٢٢- لا أبْتَغِي الحَمْدَ القَليلَ بَقاؤهُ | يَوْماً بِذمِّ الدَّهْرِ أجْمعَ وَاصِبَا |
٣٣٢٣-....................... | أضْحَى فُؤادِي بِهِ فَاتِنَا |
وقال ابن قتيبة : ليس من أحدٍ يدان له، ويطاع إلاَّ انقطع ذلك بسبب في حال الحياة، أو بالموتِ إلا الحقَّ - سبحانه وتعالى - فإنَّ طاعته دائمة لا تنقطع.