فصل


بين - تعالى - أنَّ عند كشف الضرِّ، وسلامة الأحوال، يفترقون : فريق منهم يبقى على ما كان عليه عند الضَّراء، أي : لا يفزع إلاَّ إلى الله، وفريق منهم يتغيَّرون فيشركون بالله - تعالى - غيره؛ وهذا جهلٌ وضلالٌ؛ لأنَّه لما شهدت فطرته الأصليَّة عند نزول البلاءِ، والضرِّ في ألاَّ يفزع إلا إلى الله، ولا يستغاث إلا بالله - فعند زوال البلاءِ يجب ألاَّ يزول عن ذلك الاعتقاد؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ].
قوله :﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾ في هذه اللام ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن تكون لام كي، وهي متعلقة ب « يُشْرِكُونَ »، أي : أن إشراكهم سببه كفرهم به.
الثاني : أنَّها لام الصَّيرورةِ، أي : صار أمرهم إلى ذلك.
الثالث : أنَّها لام الأمر، وإليه نحا الزمخشريُّ.
وقرأ ابو العالية، ورواها مكحول عن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ « فيُمْتَعُوا » بضمِّ الياءِ من تحت، ساكن الميم، مفتوح الياء مضارع « مُتِعَ » مبنيًّا للمفعول، « فسَوْفَ يَعْلمُونَ » بالياء من تحت أيضاً، وهذا المضارع في هذه القراءة، يجوز أن يكون حذف منه النون فيه؛ إما للنصب، عطفاً على « لِيَكْفُروا » وإن كانت لام « كي »، أو للصيرورة، وإما لنصب أيضاً، ولكن على جواب الأمر إن كانت اللام للأمر، ويجوز أن يكون حذفها للجزم؛ عطفاً على « لِيَكْفرُوا » وإن كانت للأمر أيضاً.

فصل


قال بعض المفسرين : هذه لام العاقبة؛ كقوله تعالى :﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ] يعني : أنَّ عاقبته تلك التضرعات، ما كانت إلا هذا الكفر.
والمراد بقوله :« بِمَا ءَاتَيْناهُمْ » كشف الضرِّ، وإزالة المكروه، وقيل : لمراد به القرآن وما جاء به محمدٌ ﷺ من النبوة والشرائع.
ثمَّ توعَّدهم فقال :« فتَمتَّعُوا »، [ والمراد منه التهديد ] ؛ كقوله ﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [ الكهف : ٢٩ ] وقوله :﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ أمركم، وما ينزل بكم من العذاب.


الصفحة التالية
Icon