قال القرطبي في الجواب :« إن قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال ﴾، أي : الأمثال التي توجب الأشباه، والنَّقائص، أي : لا تضربوا لله مثلاً يقتضي نقصاً وتشبهاً بالخلق، والمثل الأعلى : وصفه بما لا شبيه له ولا نظير ».
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية لما حكى عن القوم عئم كفرهم، وقبيح قولهم، بين أنه يمهل هؤلاء الكفار، ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهاراً للفضل، والرحمة، والكرمِ.
قالت المعتزلة : هذه الآية دالَّة على أنَّ الظلم والمعاصي ليست فعلاً لله تعالى، بل تكون أفعالاً للعباد؛ لأنه - تعالى - أضاف ظلم العباد إليهم، فقال - عزَّ وجلَّ - ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾، وأيضاً : لو كان خلقاً لله لكانت مؤاخذتهم بها ظلماً من الله، ولما منع الله - تعالى - العباد من الظلم، فبأن يكون منزّهاً عن الظلم أولى؛ ولأنَّ قوه تعالى :« بِظُلمهِمْ » الباء فيه تدلُّ على العليَّة، كما في قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾ [ الحشر : ٤ ]. وقد تقدَّم الجواب مراراً.

فصل


ظاهر الآية يدلُّ على أنَّ إقدام الناس على الظُّلم؛ يوجب إهلاك جميع الدَّواب، وذلك غير جائزٍ؛ لأن الدَّابَّة لمَّا لم يصدر عنها ذنبٌ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم النَّاس؟.
وأجيب بوجهين :
أحدهما : أنَّا لا نسلم أن قوله :﴿ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ﴾ يتناول جميع الدَّوابِّ.
قال الجبائي - C- : إن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر، ومعصية لعجَّل هلاكهم، وحينئذ لا يبقى لهم نسلٌ، ومن المعلوم أنه لا أحد إلاَّ وفي أحد آبائه من يستحق العذاب، وإذا هلكوا؛ فقد بطل نسلهم، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من النَّاس، وإذا [ هلكوا ]، وجب ألا يبقى أحد من الدَّواب أيضاً، لأن الدَّواب مخلوقةٌ لمنافع العباد، وهذا وجهٌ حسن.
الثاني : أنَّ الهلاك إذا ورد على الظَّلمةِ، ورد أيضاً على سائر النَّاس والدَّواب، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذاباً، وفي حق [ غيرهم امتحاناً ]، وقد وقعت هذه الواقعة في زمن نوحٍ - ﷺ -.
الثالث : أنه تعالى لو أخذهم لانقطع القطر، وفي انقطاعه انقطاع النَّبْت، فكان لا يبقى على ظهرها دابَّة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمع رجُلاً يقول : إن الظَّالمَ لا يضُرُّ إلاَّ نفسه فقال :« لا والله، بل إنَّ الحبارى لتموتُ في وكْرِهَا بظلم الظالم ».
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه : كَادَ الجُعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم؛ فهذه الوجوه الثَّلاثة مبنيةٌ على أنَّ لفظ الدابة يتناول جميع الدَّواب.
والجواب الثاني : أنَّ المراد بالدَّابة الكافر، قوله تعالى :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٤ ].
قوله :﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ ﴾، أي : البنات التي يكرهونها لأنفسهم ومعنى :« ويجعلون » : يصفون الله بذلك، ويحكمون به له، كقولك : جعلتُ زيداً على النَّاس، أي : حكمت بهذا الحكم.


الصفحة التالية
Icon