٣٣٣٢- واسْتَعْجلُونَا وكَانُوا مِنْ صَحابَتِنَا كَمَا تعجَّل فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
فجعل « فَرَطَ » قاصراً، و « أفْرَطَ » منقولاً.
وقال الزمخشريُّ :« بمعنى مقدَّمُون إلى النَّار معجَّلون إليها، من أفرطت فُلاناً وفرَّطتهُ، إذا قدَّمتهُ إلى المَاءِ ».
فجعل « فَعَلَ »، و « أفْعَل » بمعنى؛ لأنَّ « أفْعَلَ » منقولٌ من « فَعَل » والقولان محتملان، ومنه الفرطُ، أي : المتقدم، قال ﷺ :« أنَا فَرطُكمْ على الحَوْضِ »، أي : سابقكم، ومنه « جَعَلهُ فَرطاً لأبويه وذُخْراً »، أي : متقدماً بالشَّفاعة، وبتثقيل الموازين، والمعنى على هذا : أنهم قدموا إلى النَّار، وأنهم فرط الذين يدخلون بعدهم.
وقرأ أبو جعفر في رواية « مُفرِّطُونَ » بتشديد الرَّاءِ مكسورة من فرَّط في كذا، أي : قصَّر، وفي رواية مفتوحة من فرَّطتهُ معدى بالتَّضعيف؛ أي من « فرط » بالتخفيف أي : تقدَّم، وسبق.
وقرأ عيسى بن عمر والحسن - رضي الله عنهما - « لا جَرمَ إنَّ لهم النار وإنهم » بكسر « إن » فيهما على أنهما جواب قسم، أغنت عنه :« لا جرم ».
ثم بين - تعالى - أن هذا الصُّنع الذي صدر من مشركي قريش، قد صدر عن سائر الأمم السَّابقة في حق أنبيائهم - صلوات الله وسلامه عليهم-.
فقال :﴿ تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي : كما أرسلنا إلى هذه الأمَّة، وهذا تسليةٌ للرسول ﷺ فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة من وجوهٍ :
أحدها : أنَّه إذا كان خالقُ أعمالهم هو الله - تعالى-، فلا فائدة في التَّزيينِ.
والثاني : أنَّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله - تعالى - لم يجز ذمُّ الشيطان بسببه.
والثالث : أنَّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله - تعالى - كان ضرورياً، فلم يكن التَّزيينُ داعياً.
والرابع : أنَّ على قولهم : الخالق لذلك العمل، أجدر بأن يكون ولياً لهم من الدَّاعي إليه.
الخامس : أنه - تعالى - أضاف التزيين إلى الشَّيطان، ولو كان ذلك المزيِّن هو الله - تعالى - لكانت إضافته إلى الشَّيطان كذباً.
والجواب : إنْ كان مزين القبائح في أعين الكفَّار هو الشيطان، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطاناً آخر؛ لزم التَّسلسل، وإن كان هو الله - تعالى - فهو المطلوبُ.
قوله :﴿ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية، أي : فهو ناصرهم، أو آتية.


الصفحة التالية
Icon