وقوله - تعالى- :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾، أي : في العسل.
روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال :« جَاءَ رجلٌ إلى النَّبي ﷺ فقال : إنَّ أخِي اسْتطلقَ بَطْنهُ، فقال رسُول الله ﷺ : اسْقِه عَسَلاً، فَسَقاهُ، ثمَّ جَاءَ فقال : إني سَقيْتهُ فَلمْ يزِدهُ إلاَّ اسْتِطلاقاً، رسُول الله ﷺ :» صَدَقَ الله وكَذبَ بَطْنُ اخِيك، فَسقاهُ فَبَرأ «.
وقال عبد الله بن مسعود :»
العَسلُ شِفاءٌ من كُلِّ داءٍ «.
فإن قيل : كيف يكون شفاء للناس وهو يضرُّ بالصفراء ويهيج المرار؟.
فالجواب : أنه - تعالى - لم يقل : إنه شفاءٌ لكلِّ الناس وشفاء لكل داءٍ في كلِّ حال، بل لمَّا كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء، صلح بأن يوصف بأنه فيه شفاءٌ؛ والذي يدل على أنه شفاء في الجملة : أنه قلَّ معجون من المعاجين إلا وتمامه وكماله إنما يحصل بالعجن بالعسل، والأشربة المتَّخذة منه في الأمراض البلغميَّة عظيمة النَّفع.
وقال مجاهد - C- : المراد بقوله - تعالى - :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾ القرآن؛ لقوله - تعالى - :﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس : ٥٧ ].
وقال - صلوات الله وسلامه عليه- :»
عَلَيكُم بِالشِّفاءَيْنِ : العَسلِ والقُرآنِ «.
وعلى هذا تمَّ الكلام عند قوله :﴿ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾، ثم ابتدأ وقال :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾ أي : في هذا القرآن.
وهذا القول ضعيف؛ لما تقدم من الحديث؛ ولأنَّ الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور وهو الشَّراب، وأما عوده إلى غير مذكور، فلا يناسب.
فإن قيل : ما المراد بقوله - صلوات الله وسلامه عليه- :»
وكَذبَ بَطْنُ أخِيكَ «
؟. فالجواب : لعلَّه - صلوات الله وسلامه عليه - علم بالوحي أنَّ ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلمَّا لم يظهر نفعه في الحال - مع أنه - عليه الصلاة و السلام - كان عالماً بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك - كان هذا جارياً مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ.
ثم إنه - تعالى - ختم الآية بقوله - تعالى- :﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي : ما ذكرنا من اختصاص النَّحل بتلك العلوم الدقيقة والمعارف الغامضة؛ مثل بناء البيوت المسدَّسة واهتدائها إلى جمع تلك الأجزاء الواقعة من جو الهواء على أطراف أوراق الأشجار بعد تفرُّقها، فكل ذلك أمور عجيبة دالَّة على أنَّ إله هذا العالم رتَّبه على رعاية الحكمة والمصلحة.
قوله - تعالى - :﴿ والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ الآية لمَّا ذكر - تعالى - عجائب أحوال الأنهار والنَّبات والأنعام والنَّحل، ذكر بعض عجائب أحوال الناس في هذه الآية.
واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان في أربع مراتب :
أولها : سنُّ النشوء والنَّماء.


الصفحة التالية
Icon