قال الفراء وأحمد بن يحيى : الأعجم : هو الذي في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، والأعجمي والعجمي : الذي أصله من العجم قال أبو علي الفارسي : الذي لا يفصح سواءٌ كان من العرب أو من العجم؛ ألا ترى أنهم قالوا : زياد الأعجم؛ لأنه كانت في لسانه عجمة مع أنَّه كان عربيًّا؟ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في « الشعراء »، و « حم السجدة ».
وق لبعضهم : العجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحاً.

فصل


المعنى : إنَّ لسان الذي ينسبون التعلّم منه أعجمي، وهذا القرآن عربي فصيح، فتقرير هذا الجواب كأنه قال : هب أنه يتعلَّم المعاني من ذلك الأعجمي، إلا أنَّ القرآن إنَّما كان معجزاً لما في ألفاظه من الفصاحة، فبتقدير أن تكونوا صادقين في أن محمَّداً - ﷺ - يتعلم تلك المعاني من ذلك الرجل، إلا أن ذلك لا يقدح في المقصود؛ لأن القرآن إنما كان معجزاً لفصاحته اللفظيَّة.
ولما ذكر - تعالى - هذا الجواب، أردفه بالتهديد؛ فقال - تعالى- :﴿ إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لاَ يَهْدِيهِمُ الله ﴾ قال القاضي : لا يهديهم إلى طريق الجنَّة لقوله بعده :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي : أنهم لما تركوا الإيمان بالله، لا يهديهم الله إلى الجنَّة، بل يسوقهم إلى النَّار، ثم إنه - تعالى - بين كونهم كاذبين في ذلك القول، فقال - تعالى- :﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الكذب الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله وأولئك هُمُ الكاذبون ﴾ والمقصود منه أنه - تعالى - بيَّن في الآية السابقة أن الذي قالوه بتقدير أن يصح لم يقدح في المقصود، ثم بين في هذه الآية أن الذي قالوه لم يصحَّ، وهم كذبوا فيه، والدليل على كذبهم وجوه :
أحدها : أنهم لا يؤمنون بآيات الله تعالى وهم كافرون، وإذا كان الأمر كذلك، كانوا أعداء للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - وكلام العدو ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتَّهم.
وثانيها : أن التعلُّم لا يتأتَّى في جلسه واحدة ولا يتم بالخفية، بل التعلُّم إنما يتمُّ إذا اختلف المتعلِّم إلى المعلِّم أزمنة متطاولة، وإذا كان كذلك، اشتهر فيما بين [ الخلق ] أن محمداً - صلوات الله وسلامه عليه - يتعلم العلوم من فلان ومن فلان.
وثالثها : أن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة، وتعلُّمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم في غاية الفضل والتحقيق، فلو حصل فيهم إنسان بلغ في العلم والتحقيق إلى هذا الحد، لكان مشاراً إليه بالأصابع في التحقيق والتدقيق في الدنيا، فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية الشريفة والمباحث النفيسة من عند فلان وفلان؟
وإذا كان الأمر كذلك، فالطَّعن في نبوة محمد ﷺ بأمثال هذه الكلمات الرَّكيكة يدلُّ على أن الحجة لرسول الله ﷺ كانت ظاهرة باهرة، وهذه الآية تدلُّ على أن الكذب من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش؛ لأن كلمة « إنَّما » للحصر، والمعنى : أن الكذب والفرية لا يقدم عليهما إلا من كان غير مؤمن بآيات الله - تعالى-.


الصفحة التالية
Icon