وأما الثالث : فكذلك؛ إذ التقدير : أن المشار إليهم هم من كفر بالله من بعد إيمانه، مخبراً عنهم بأنهم الكاذبون «.
الوجه الرابع : قال الزمخشري :»
أن ينتصب على الذَّمِّ «.
قال ابن الخطيب : وهو أحسن الوجوه عندي وأبعدها من التَّعسُّف.
الخامس : أن يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر على الذَّمِّ.
السادس : أن يرتفع على الابتداء، والخبر محذوف، تقديره : فعليهم غضب؛ لدلالة ما بعد »
مَنْ « الثانية عليه.
السابع : أنها مبتدأ أيضاً، وخبرها وخبر »
مَنْ « الثانية قوله :» فَعَليْهم غَضب «.
قال ابن عطية رحمه الله :»
إذ هو واحد بالمعنى؛ لأنَّ الإخبار في قوله - تعالى- :﴿ مَن كَفَرَ بالله ﴾ إنَّما قصد به الصنف الشارح بالكفر «.
قال أبو حيَّان :»
وهذا وإن كان كما ذكر، إلا أنَّهما جملتان شرطيتان، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك، فلا بدَّ لكل واحدة منهما على انفرادها من جواب لا يشتركان فيه، فتقدير الحذف أجرى على صناعة الإعراب، وقد ضعَّفوا مذهب الأخفش في ادِّعائه أن قوله - تعالى - :﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ [ الواقعة : ٩١ ] وقوله - جل ذكره- :﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ﴾ [ الواقعة : ٨٩ ] جواب ل « أمَّا » و « إنْ »، هذا، وهما أداتا شرط وليست إحداهما الأخرى «.
الثامن : أن تكون »
مَنْ « شرطية، وجوابها مقدَّر، تقديره : فعليهم غضبٌ؛ لدلالة ما بعد » مَنْ « الثانية عليه، وقد تقدَّم أن ابن عطيَّة جعل الجزاء لهما معاً، وتقدم الكلام معه فيه.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أنه مستثنى مقدم من قوله :»
فأولئك عليهم غضب « وهذا يكون فيه منقطعاً؛ لأن المكره لم يشرح بالكفر صدراً.
وقال أبو البقاء : وقيل : ليس بمقدَّم؛ فهو كقول لبيد :[ الطويل ]

٣٣٦٠- ألاَ كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللهَ بَاطلُ ..................
فظاهر كلامه يدلُّ على أن بيت لبيد لا تقديم فيه، وليس كذلك؛ فإنه ظاهر في التقديم جدًّا.
الثاني : أنه مستثنى من جواب الشرط، أو من خبر المبتدأ المقدَّر، تقديره : لعليهم غضب من الاه إلا من أكره، ولذلك قدر الزمخشري جزاء الشَّرط قبل الاستثناء وهو استثناء متصل؛ لأنَّ الكفر يكون بالقول من غير اعتقاد كالمكره، وقد يكون - والعياذ بالله - باعتقاد، فاستثنى الصنف الأول.
﴿ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ ﴾ جملة حاليَّة ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ﴾ في هذه الحالة، وهذا يدلُّ على أن محلَّ الإيمان القلب، والذي [ محله ] القلب إما الاعتقاد، وإما كلام النَّفس؛ فوجب أن يكون الإيمان عبارة : إما عن المعرفة، وإما عن التصديق بكلام النَّفس.
قوله تعالى :﴿ ولكن مَّن شَرَحَ ﴾ الاستدراك واضح؛ لأن قوله :﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ﴾ قد يسبق الوهم إلى الاستثناء مطلقاً، فاستدرك هذا، وقوله :﴿ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ ﴾ لا ينفي ذلك الوهم، و »
مَنْ « إما شرطية أو موصولة، ولكن متى جعلت شرطية، فلا بدَّ من إضمار مبتدأ قبلها، لأنه لا يليها الجمل الشرطيَّة، قاله أبو حيَّان؛ ثم قال : ومثله :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon