٣٣٧١- سَرَى بَرْقُ المَعرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ فَباتَ بِرامَةٍ يَصِفُ الكَلالا
المعنى : إذا سرى ذلك البرق يصف الكلال، فكذا هاهنا.

فصل


وروى الدَّارمي بإسناده عن الأعمش قال :« ما سمعت إبراهيم قط يقول : حلالاً ولا حراماً، ولكن كان يقول : كانوا يتكرَّهون، وكان يستحبُّون » وقال ابن وهب : قال مالك : لم يكن من فتيا النَّاس أن يقولوا : هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، ولكن يقولوا : إيَّاكم كذا وكذا، لم أكن لأصنع هذا، ومعنى هذا : أن التَّحليل والتَّحريم إنَّما هو لله - تعالى - وليس لأحد أن يقول أو يصرِّح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون الباري - سبحانه وتعالى - فيخبر بذلك عنه، فأما ما يئول إليه اجتهاده، فإنه يحرم عليه أن يقول ذلك، بل يقول : إني أكره كما كان مالك - رضي الله عنه - يفعل.
قوله :« لِتَفْتَرُوا » في هذه اللاَّم ثلاثة أوجه :
أحدها : قال الواحدي : إنه بدلٌ من « لِما تَصِفُ » ؛ لأن وصفهم الكذب هو افتراءٌ [ على الله ].
قال أبو حيَّان :« وهو على تقدير جعل » ما « مصدرية، أما إذا كانت بمعنى الذي، فاللاَّم فيها ليست للتَّعليل، فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنَّما اللام في » لِمَا « متعلِّقة ب » لا تَقُولوا « على حدِّ تعلقها في قولك : لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام، أي : لا تسمُّوا الحلال حراماً، وكما تقول : لا تقل لزيد : عمرو أي : لا تطلق عليه هذا الاسم ».
قال شهاب الدين : وهذا وإن كان ظاهراً، إلا أنه لا يمنع من إرادة التعليل وإن كانت بمعنى الذي.
الثاني : أنها للصَّيرورة؛ إذ لم يفعلوه لذلك الغرض؛ لأن ذلك الافتراء ما كان غرضاً لهم.
والمعنى : أنهم كانوا ينسبون ذلك التحريم والتحليل إلى الله - تعالى - ويقولون : إن الله أمرنا بذلك.
قال ابن الخطيب : فعلى هذا تكون لام العاقبة؛ كقوله - تعالى - :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَنا ﴾ [ القصص : ٨ ].
الثالث : أنها للتعليل الصريح، ولا يبعد أن يصدر عنهم مثل ذلك. ثم إنَّه - تعالى - أوعد المفترين فقال :﴿ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ ثم بيَّن أن ما هم فيه من [ متاع ] الدنيا يزول عنهم عن قربٍ، فقال :﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ قال الزجاج : معناه : متاعهم قليلٌ. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل متاع كلِّ الدنيا متاع قليل، ثم يردُّون إلى عذاب أليم.
وفي « متاعٌ » وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ، و « قَليلٌ » خبره.
وفيه نظر؛ للابتداء بالنَّكرة من غير مسوِّغ، فإن ادُّعي إضافة نحو : متاعهم قليلٌ، فهو بعيد جدًّا.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : بقاؤهم، أو عيشهم، أو منفعتهم فيما هم عليه.


الصفحة التالية
Icon