وقال ابن عباس :- رضي الله عنه- : خلق الله ألف أمة ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر.
قوله تعالى :﴿ قَانِتاً لِلَّهِ ﴾ القانت : هو القائم بأمر الله تعالى. وقال ابن عبَّاس : مطيعاً لأمر الله تعالى.
قوله تعالى :« حَنِيفاً » :[ مائلاً ] إلى ملَّة الإسلام ميلاً لا يزول عنه، وقيل حنيفاً : مستقيماً على دين الإسلام. وقيل : مخلصاً.
قال ابن عباس : إنه أول من اختتن وأقام مناسك الحج، وهذه صفة الحنيفيَّة.
﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين ﴾ أي : أنَّه كان من الموحِّدين في الصِّغر والكبر، أما في حال صغره : فإنكاره بالقول للكواكب على عدم ربوبيتها، وأما في كبره : فمناظرته لملك زمانه، وكسر الأصنام حتى آل أمره أنه ألقي في النار.
قوله تعالى :« شَاكِراً » يجوز أن يكون خبراً ثالثاً، أو حالاً من أحد الضميرين في « قَانِتاً » و « حَنِيفاً ». قوله :« لأنْعُمِهِ » يجوز تعلقه ب « شَاكِراً » أو ب « اجْتَبَاهُ »، و « اجْتَبَاهُ » إما حال وإما خبر آخر ل « كان » و « إلى صِراطٍ » يجوز تعلقه ب « اجْتَبَاهُ » وب « هَدَاهُ » على [ قاعدة ] التنازع.
فإن قيل : لفظ الأنعم جمع قلَّة، ونعم الله على إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - كانت كثيرة فلم قال :« شَاكِراً لأنْعُمِهِ » ؟.
فالجواب : أنه كان شاكراً لجميع نعم الله سبحانه وتعالى القليلة، فكيف الكثيرة؟.
ومعنى « اجْتبَاهُ » : اختاره واصطفاه للنبوة، والاجتباء : هو أن يأخذ الشيء بالكليَّة، وهو « افْتِعَال » من « جَبَيْتُ » وأصله جمع الماء في الحوض، والجابية هي الحوض، ﴿ وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ إلى دين الحقِّ.
﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي الدنيا حَسَنَةً ﴾ يعني : الرِّسالة والخلَّة. وقيل : لسان صدق، وقال مقاتل بن حيان : هو قول المصلي : اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على إبْراهِيمَ.
وقال قتادة - رضي الله عنه - إن الله حبَّبه إلى كل الخلق. وقيل : أولاداً أبراراً على الكبر. ﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين ﴾ : في أعلى مقامات الصَّالحين في الجنة.
قوله - تعالى - :﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية.
لما وصف إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - بهذه الصِّفات العالية الشريفة، قال - جل ذكره - ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾. قال الزمخشري في « ثُمَّ » هذه : إنها تدلُّ على تعظيم منزلة رسول الله ﷺ وإجلال محله، والإيذان بأن الشَّرف ما أوتي خليل الرحمن من الكرامةِ، وأجل ما أولي من النِّعمة : اتباع رسول الله ﷺ ملَّته، من قبل أنَّها دلت على تباعد هذا النَّعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليه بها.


الصفحة التالية
Icon