والثاني : أنه مفعولٌ. قال أبو البقاء :« أي : طيَّبْنَا ونَمَّيْنَا ».
يعني ضمَّنه معنى ما يتعدَّى بنفسه، وفيه نظرٌ؛ لأنه لا يتصرَّفُ.
قوله :« لِنُريَهُ » قرأ العامة بنون العظمة؛ جرياً على « بَارَكْنَا » وفيهما التفات من الغيبة في قوله « الَّذي أسْرَى بعبده » إلى التكلُّم في « بَاركْنَا » و « لنُرِيَهُ »، ثم التفت إلى الغيبة في قوله :« إنه هُوَ » إن أعدنا الضمير إلى الله تعالى، وهو الصحيح، ففي الكلام التفاتان.
وقرأ الحسن « لِيُريَهُ » بالياء من تحت، أي : الله تعالى، وعلى هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعةُ التفاتات : وذلك أنَّه التفت أوَّلاً من الغيبة في قوله « الَّذي اسْرَى بعبْدهِ » إلى التكلم في قوله « بَاركْنَا » ثم التفت ثانياً من التكلُّم في « باركْنَا » إلى الغيبة في « ليُرِيَهُ » على هذه القراءة، ثم التفت ثالثاً من هذه الغيبة إلى التكلم في « آيَاتِنَا »، ثم التفت رابعاً من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله « إنَّهُ هُو » على الصحيح في الضمير؛ أنه لله، وأمَّا على قول نقله أبو البقاء أنَّ الضمير في « إنَّه هُو » للنبي ﷺ فلا يجيء ذلك، ويكون في قراءة العامة التفاتٌ واحدٌ، وفي قراءة الحسنِ ثلاثةٌ. وأكثر ما ورد الالتفاتُ فيه ثلاث مراتٍ على ما قاله الزمخشريُّ في قول امرئ القيس :[ المتقارب ]
٣٣٧٤- تَطَاولَ لَيْلُكَ بالأثْمُدِ | .................. |
ولو ادَّعى مُدَّعٍ أنَّ ها هنا خمسة التفاتاتٍ لاحتيج في دفعه إلى دليلٍ واضحٍ، والخامس : الالتفاتُ من « إنَّهُ هُوَ » إلى التكلُّم في قوله ﴿ وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب ﴾ [ الإسراء : ٢ ] الآية.
والرؤيةُ هنا بصرية. وقيل : قلبية، وإليه نحا ابن عطيَّة، فإنه قال :« ويحتمل أن يريد : لنُرِيَ محمداً للنَّاس آية، أي : يكون النبي ﷺ آية في أن يصنع الله ببشرِ هذا الصنيع » فتكون الرؤية قلبية على هذا.
فصل في معنى « لِنُريَهُ »
معنى الرُّؤية هو ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات الدالَّة على قدرة الله تعالى.
فإن قيل : قوله :﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ﴾ يدلُّ على أنَّه تعالى ما أراه إلاَّ بعض الآيات؛ لأن كلمة « مِنْ » للتبعيض وقال في حقِّ إبراهيم :﴿ وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض ﴾ [ الأنعام : ٧٥ ] فيلزم أن يكون معراج إبراهيم - عليه السلام - أفضل من معراج محمد ﷺ قلنا : فالجواب أن الذي رآه إبراهيم ملكوت السموات والأرض، والذي رآه محمد بعض آياتِ الله، ولا شكَّ أن آيات الله أفضلُ.