﴿ أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى ﴾ [ العلق : ٩-١٠ ] وقال تعالى :﴿ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ ﴾ [ الجن : ١٩ ].
وأما الخبرُ، فما روى أنس بن مالكٍ : أن النبي ﷺ قال :« فُرِجَ عَن سَقْفِ بَيْتِي وأنَا بِمكَّة، فَنزَلَ جِبْريلُ - عَليْهِ السَّلامُ - فَفُرِجَ صَدْري، ثُمَّ غَسلَهُ بِمَاءِ زَمْزَم، ثُمَّ جَاءَ بِطسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتلِئٍ حِكْمةً وإيماناً، ففرَّغهُ فِي صَدْرِي، ثمَّ أطْبَقهُ ».
وروى مالك بن صعصعة أنَّ نبيَّ الله ﷺ حدثهم عن ليلة الإسراء به قال :« بَيْنَا أنَا فِي الحطِيم - ورُبَّما قال :» في الحِجْرِ - بَيْنَ النَّائمِ واليَقْظانِ، فأتيتُ بِطسْتٍ من ذَهب مَمْلُوءةٍ حِكمةً وإيماناً، فشُقَّ من النَّحْرِ إلى مراق البَطْن واسْتُخرجَ قَلْبي، فغُسِلَ، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أعِيدَ «.
وفي رواية سعيد وهشام :» ثُمّ غُسلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ إيماناً وحِكْمَةً، ثُمَّ أتِيتُ بالبُراقِ، وهو دَابَّةٌ أبْيضُ طَويلٌ فوقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، تقَعُ حَافِرهُ عند مُنْتهَى طَرْفهِ، فَرَكبْتهُ فانْطَلقْتُ مَعَ جِبْريل عليه السلام، حتَّى أتيت البيْتَ المقدس قال : فَربَطْتهُ في الحَلْقةِ الَّتِي تَرْبطُ بِهَا الأنْبِيَاءُ « قال :» ثُمَّ دخلتُ المسجدَ، فَصلَّيْتُ فِيهِ ركْعَتينِ، ثمَّ خَرجْتُ، فجَاءَنِي جِبريلُ بإنَاءٍ مِنْ خَمْر وإنَاءٍ من لبَنٍ، فأخَذْتُ اللَّبنَ، فقال جِبْريلُ : أخَذْتَ الفِطْرَة، فانْطلقَ بِي جِبْريلُ؛ حتَّى أَتَى السَّماء الدُّنْيَا.. « الحديث.
واحتجَّ المنكرون بوجوهٍ عقليَّةٍ ونقليَّةٍ :
أما العقلية : فأوَّلها : أن الحركة البالغة في السُّرعة إلى هذا الحدِّ غيرُ معقولةٍ.
وثانيها : أنَّ صعود الجرمِ الثقيل إلى السَّموات غير معقول.
وثالثها : أنَّ صعودهُ إلى السماوات يوجب انخراق الأفلاك، وذلك محالٌ، ولأنَّ هذا المعنى، لو صحَّ، لكان أعظم من سائر معجزاته، فكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع النَّاس حتَّى يستدلُّوا به على صدقه في ادعاء النبوَّة، فأما أن يحصل ذلك في وقتٍ لا يراه أحدٌ، ولا يشاهده يكون عبثاً؛ وذلك لا يليق بالحكيم.
وأمَّا النقل : فقوله تعالى :﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ﴾ [ الإسراء : ١ ] وقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] وما تلك الرؤيا إلاَّ حديث المعراج، والرؤيا لما في المنام، وإنما كانت فتنة للنَّاس؛ لأنَّ كثيراً ممَّن آمن به، لمَّا سمع هذا الكلام كذَّبهُ وكفر، وكان حديث المعراج سبب فتنة الناس.
وأيضاً : فحديث المعراج اشتمل على أشياء بعيدة.
منها : ما رُوِيَ من شقِّ بطنه وتطهيره بماءِ زَمْزَم، وهو بعيد؛ لأن الذي يمكن غسله بالماءِ هو النَّجاسات العينيَّة، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب عن العقائد الباطلة، والأخلاق الذَّميمة.
وأيضاً : فما رُوِيَ من ركوب البُراق - وهو بعيد - لأنَّه تعالى، لمَّا سيَّره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأيُّ حاجةٍ إلى البراق.