قوله تعالى :﴿ وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب ﴾ الآية.
لما ذكر الله - تعالى - في الآية الأولى إكرامه محمَّداً ﷺ أنه أسرى به، ذكر في هذه الآية إكرام موسى - عليه السلام - قبله بالكتاب الذي آتاهُ.
وفي « آتيْنَا » ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تعطف هذه الجملة على الجملة السابقة من تنزيه الربِّ تبارك وتعالى، ولا يلزمُ في عطف الجمل مشاركة في خبر ولا غيره.
الثاني : قال العسكريُّ : إنه معطوف على « أسْرَى » واستبعده أبو حيَّان.
ووجه الاستبعادِ : أن المعطوف على الصِّلة صلةٌ، فيؤدِّي التقدير إلى صيرورة التركيب : سبحان الذي اسْرَى وآتينا، وهو في قوة : الذي آتينا موسى، فيعود الضمير على الموصول ضمير تكلُّمٍ من غير مسوِّغٍ لذلك.
والثالث : أنه معطوف على ما في قوله « أسْرَى » من تقدير الخبر، كأنه قال : أسْرَيْنا بعبدنا، أرَيْناهُ آيَاتنَا وآتَيْنَا، وهو قريبٌ من تفسير المعنى لا الإعراب.
قوله :« وجَعلْنَأهُ » يجوز أن يعود ضميرُ النَّصب للكتاب، وهو الظاهر، وأن يعود لموسى - عليه السلام-.
وقوله : لألبَنِي إسْرائِيلَ « يجوز تعلقه بنفس » هُدًى « كقوله :﴿ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾ [ يونس : ٣٥ ]، وأن يتعلق لالجعل، أي : جعلناه لأجلهم، وأن يتعلق بمحذوف نعتاً ل » هُدًى «.
قوله :»
ألاَّ تَتَّخِذُوا « يجوز أن تكون » أنْ « ناصبة على حذف حرف العلَّة، أي : وجعلناه هدًى لئلاَّ تتخذوا. وقيل :» لا « مزيدة، و التقدير : كراهة أن تتخذوا، وأن تكون المفسرة بمعنى » أي « و » لا « ناهية، فالفعل منصوب على الأوَّل، مجزوم على الثاني، وأن تكون مزيدة عند بعضهم، والجملة التي بعدها معمولة لقولٍ مضمرٍ، أي : مقولاً لهم : لا تتخذوا، أو قلنا لهم : لا تتخذوا، قاله الفارسيُّ. وهذا ظاهر في قراءة الخطاب. وهذا مردودٌ بأنه ليس من مواضع زيادة طأنْ ».
وقرأ أبو عمرو « ألاَّ يَتَّخِذُوا » بياء الغيبة؛ جرياً على قوله « لبَنِي إسْرائِيلَ » والباقون بالخطاب التفاتاً. ومعنى الآية :﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ؛ لئلاَّ يتخذوا من دوني وكيلاً أي : ربًّا يكلون إليه أمورهم.
و « أنْ » في قراءة من قرأ بالياء في « ألاَّ يَتَّخِذُوا » في موضع نصب على حذف الخافض، أي : لئلاَّ يتَّخذوا، ومن قرأ بالتاء فتحتمل « أنّ » ثلاثة أوجهٍ :
أن تكون لا موضع لها، وهي التفسيرية.
وأن تكون زائدة، ويكون الكلام خبراً بعد خبر؛ على إضمار القول.
وأن تكون في موضع نصبٍ و « لا » زائدة، وحرف الجرِّ محذوفٌ مع « أن » قاله مكيٌّ.


الصفحة التالية
Icon