فصل


اعلم أن العمل الصَّالحَ، كما يوجب لفاعله النَّفع الأكمل الأعظم، كذلك تركه يوجب الضَّرر الأكمل الأعظم، فإن قيل : كيف يليقُ لفظ البشارة بالعذاب؟.
فالجواب : هذا مذكورٌ على سبيل التهكُّم، أو من باب إطلاق أحد الضِّدَّين على الآخر؛ كقوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] وتقدَّم الكلام عليه قبل الفصل، فإن قيل : هذه الآية [ واردة ] في شرح أحوالِ اليهود، وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة، فكيف يليق بهذا الموضع قوله تعالى :﴿ وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ ؟.
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنَّ أكثر اليهود ينكرُون الثواب والعقاب الجسمانيين.
والثاني : أن بعضهم قال :﴿ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ﴾ [ آل عمران : ٢٤ ] فهم بهذا القول صاروا كالمنكرينَ للآخرةِ.


الصفحة التالية
Icon