﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ﴾ [ الإنسان : ١١ ] والباقون بالفتح والسكون والتخفيف مضارع « لَقِيَ ».

فصل


قال الحسن : بسطنا لَكَ صحيفةً، ووُكِّل بك ملكانِ، فهما عن يمينك، وعن شمالِكَ، فأمَّا الذي عن يمينك، فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك، فيحفظ سيِّئاتك؛ حتَّى إذا متَّ طُويَتْ صحيفتك، وجعلت معك في قبرك؛ حتى تخرج لك يوم القيامة، فقوله :﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ ﴾ أي : من قبره.
قوله تعالى :﴿ اقرأ كَتَابَكَ ﴾ : على إضمار القول، أي : يقال له : اقرأ، وهذا القول : إمَّا صفةٌ أو حالٌ، كما في الجملة قبله. وهذا القائل هو الله تعالى.
قال الحسن :« يَقْرءُوهُ أمِّيًّا كان، أو غير أمِّيٍّ ».
وقال أبو بكر بن عبد الله - رضي الله عنه- : يؤتى المؤمنُ يوم القيامةِ بصحيفته، وحسناته في ظهرها، يغبطه الناس عليها، وسيئاته في جوف صحيفته، وهو يقرؤها، حتَّى إذا ظنَّ أنها قد أوبقته، قال الله له :« قَدْ غَفَرْتُ لَكَ فِيمَا بَينِي وبَينكَ » فيعظم سروره ويصير من الَّذين قال الله - عزَّ وجلَّ - في حقهم :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [ عبس : ٣٨، ٣٩ ].
قوله تعالى :﴿ كفى بِنَفْسِكَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
المشهور عند المعربين : أنَّ « كَفَى » فعل ماضٍ، والفاعل هو المجرور بالباء، وهي فيه مزيدة، ويدلُّ عليه أنها إذا حذفت ارتفع؛ كقوله :[ الطويل ]
٣٣٨٨- ويُخْبِرنِي عَن غَائبِ المَرْءِ هَديهُ كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرءُ مُخْبِرا
وقوله :[ الطويل ]
٣٣٨٩-................. كَفَى الشَّيْبُ والإسلامُ للمَرْءِ نَاهِيَا
وعلى هذا؛ فكان ينبغي أن يؤنَّث الفعل؛ لتأنيث فاعله، وإن كان مجروراً؛ كقوله ﴿ مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ [ المؤمنون : ٦ ] ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ [ الأنعام : ٤ ]. وقد يقال : إنه جاء على أحد الجائزين؛ فإن التأنيث مجازيٌّ.
والثاني : أن الفاعل ضمير المخاطب، و « كفى » على هذا اسم فعل أمر، أي : اكتفِ، وهو ضعيف؛ لقبولِ « كَفَى » علاماتِ الأفعالِ.
الثالث : أن فاعل « كََفَى » ضمير يعود على الاكتفاء، وتقدَّم الكلام على هذا. و « اليَوْمَ » نصبٌ ب « كَفَى ».
قوله :« حَسِيباً » فيه وجهان :
أحدهما : أنه تمييزٌ، قال الزمخشريُّ :« وهو بمعنى حاسبٍ؛ كضريب القداح؛ بمعنى ضاربها، وصريم بمعنى صارم، ذكرهما سيبويه، و » على « متعلقة به من قولك : حَسِبَ عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى الكافي ووضع موضع الشَّهيد، فعدِّي ب » عَلَى « لأنَّ الشاهد يكفي المدَّعي ما أهمَّه، فإن قلت : لِمَ ذكر » حَسِيباً « ؟ قلت : لأنه بمنزلةِ الشاهد، والقاضي، والأمين، وهذه المور يتولاَّها الرجال؛ فكأنَّه قيل : كفى بنفسك رجلاً حسيباً، ويجوز أن تتأوَّل النفس بمعنى الشخص، كما يقال : ثلاثةُ أنفسٍ ». قلت : ومنه قول الشاعر :[ الوافر ]
٣٣٩٠- ثَلاثةُ أنْفُسٍ وثَلاثُ ذَودٍ لقَد جَارَ الزَّمانُ على عِيَالِي
والثاني : أنه منصوب على الحال، وذكر لما تقدم، وقيل : حسيبٌ بمعنى محاسب؛ كخليطٍ وجليسٍ بمعنى : مخالطٍ ومجالسٍ.
قال الحسن - رضي الله عنه - :« عَدلَ، والله، في حقّك من جعَلكَ حَسِيبَ نَفْسكَ ».
وقال السديُّ :« يقول الكافر يومئذٍ : إنَّك قَضيْتَ أنَّك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسِبُ نفسِي فيقال له : اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ».


الصفحة التالية
Icon