والهاء في « بِهِ » يجوز عودها على ما تقدم من الثَّلاثة، ويكون تأويلُ عودها على الاستهزاء والشرك، أي : لا يؤمنون بسببه.
وقيل : للرسول صلوات الله وسلامه عليه وقيل : للقرآن.
وقال ابو البقاء :« ويجوز أن يكون حالاً، أي : لا يؤمنون مستهزئين » كأنه جعل « بِهِ » متعلقاً بالحالِ المحذوفة قائمة مقامها.
وهو مردودٌ، لأن الجارَّ إذا وقع حالاً أو نعتاً أو صلة أو خبراً، تعلَّق بكون مطلق لا خاصِّ، وكذا الظرف.
ومحل « لا يُؤمِنُونَ » النَّصب على الحالِ، ويجوز ألاَّ يكون لها محلٌّ؛ لأنها بيان لقوله ﴿ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ ﴾، وقوله تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين ﴾ استئنافٌ، والسَّلكُ : الإدخال، يقال : سَلكْتُ الخَيْطَ في الإبْرةِ، والرُّمحَ في المَطْعُونِ ومنه ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ [ المدثر : ٤٢ ].
قال أبو عبيدة، وأبو عبيد : يقال : سَلكْتهُ وأسْلَكتهُ، أي : نظمته، قال :[ الوافر ]
٣٢٦٨ وكُنْتُ لِزازَ خَصْمكَ لَمْ أعَرِّدْ | وقَدْ سَلكُوكَ في يَوْمٍ عَصِيبِ |
٣٢٦٩ حتَّى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدةٍ | شَلاًّ كَمَا تَطْردُ الجَمَّالةُ الشُّردا |
فصل في المعنى الإجمالي للآية
ق ل الزجاج : المعنى : قد مضت سنة الله في الأولين بأن سلك الكفر والضَّلال في قلوبهم.
وقيل : نه تهديدٌ لكفار مكة، أي : قد مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسل من القرون الماضية، والأول أليق بظاهر اللفظ.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء ﴾ الآية، هذا هو المراد في سورة الأنعام، في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ ﴾ [ الأنعام : ٧ ] الآية يعني : أنَّ الذين يقولون :﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة ﴾ [ الحجر : ٧ ]، فلو أنزلنا الملائكة «، » فظلُّوا فيه « أي : فظلت الملائكة فيها » يَعْرجُونَ «، وزهم يرونها عياناً.
و » ظلَّ « هذه الناقصة، والضمير في » فظَلُّوا « يعود على الملائكةِ، وهو الصحيح وقال الحسن رضي الله عنه : يعود على الكفَّار المفتح لهم الباب.
وقرأ الأعمش، وأبو حيوة » يَعْرجُونَ « بكسر الراء؛ وهي لغةُ هذيل في عَرَجَ : يَعْرِجُ، أي : صعد.
قوله
: ﴿ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾ قرأ ابن كثير :» سُكِرَتْ « مبنياً للمعفول، مخفَّف الكاف، وباقي السبعة كذلك إلا أنهم شدَّدوا الكاف، والزهري : بفتح السين، وكسر الكاف خفيفة مبنياً للفاعل.
فأما القراءة الأولى : فيجوز أن تكون بمعنى المشددة؛ فإن التخفيف يصلح للقليل والكثير، وهما مأخوذتان من : السِّكر، بكسر السين، هو السَّدُّ.
والمعنى : حُبِسَتْ أبصارنا، وسُدَّت، وقيل : بمعنى : أخذت، وقيل : بمعنى : سُحِرَت، وقيل المشدد من : سَكِرَ الماءُ بالكسر، والمخفف من سَكُرَ الشَّراب بالضم.
والمشهور أن » سَكِرَ « لا يتعدى فيكف بُنِي للمفعول؟.
فقال أبو علي :» يجوز أن يكون سمع متعدِّياً في البصر «.
والذي قاله المحقِّقون من أهل اللغةِ : أنَّ » سَكِر « إن كان من :» سَكِرَ الشَّرابُ، أو مِنْ سَكِرَ الرِّيحشُ « فالتضعيف فيه للتعدية، وإن كان من » سَكِرَ الماءً « فالتضعيف فيه للتكثير؛ لأنه متعد مخفَّفاً، وذلك أنه يقال : سَكرَت الرِّيحُ تَسْكرُ سَكْراً، إذا رَكدَت، وسَكِرَ الرَّجلُ منَ الشِّرابِ سَكْراً، ذا رَكَدَ، ولم ينقد لحاجته.