فصل
في تفسير هذه اللفظة وجوهٌ :
أحدها : قال الفراء : تقول العرب :« لعلَّ فلاناً يَتأفَّفُ من ريحٍ وجدها » معناه : يقول : أفٍّ أفٍّ.
والثاني : قال الأصمعي : الأفُّ : وسخُ الآذانِ، والتُّفُّ : وسخُ الأظفار، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم كثر، حتَّى استعملوه عند محلِّ ما يتأذُّون.
الثالث : قال أبو عبيدة - C- : أصل الأفِّ والتُّفِّ : الوسخُ على الأصابع إذا فَتلْتَها.
الرابع : الأفُّ : ما يكون في المغابن من الوسخِ، والتُّفُّ ما يكون في الأصابع من الوسخ.
الخامس : الأفُّ : وسخ الأظافرِ، والتُّفُّ ما رفعت بيدك من الأرْضِ من شيءٍْ حقيرٍ.
السادس : قيل : أفٍّ : معناه قلًّة، وهو مأخوذ من الأفيفِ، وهو الشيء القليل، وتُفّ : إتباعٌ له؛ كقولهم شيطانٌ ليطانٌ، خبيثٌ نبيثٌ.
السابع : روى يعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : الأفُّ : الضجر.
الثامن : قال القتبيُّ : أصل هذه الكلمة أنَّه إذا سقط عليك ترابٌ أو رمادٌ، نفخت فيه لتزيله؛ والصَّوْت الحاصل عند تلك النفخةِ هو قولك : أفٍّ، ثم إنَّهم توسَّعوا، فذكروا هذه اللفظة عند كلِّ مكروه يصل إليهم.
قال مجاهدٌ : معنى قوله :﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ﴾ أي : لا تتقذَّرهما : كما أنَّهما لم يتقذَّراك حين كنت تخرى وتبول.
وروي عن مجاهد أيضاً : إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك، فلا تقل لهما : أفٍّ.
فصل في دلالة الأفّ
قول القائل :« لا تقلْ لفلانٍ : أفٍّ » مثل يضرب للمنعِ من كل مكروهٍ وأذيَّةٍ، وإن خفَّ وقلَّ.
واختلف الأصوليُّون في أنَّ دلالة هذا اللفظ على المنع من سائر أنواع الإيذاء دلالةٌ لفظيةٌ، أو دلالة مفهومة بالقياس، فقيل : إنها دلالة لفظية، لأنَّ أهل العرف، إذا قالوا : لا تقل لفلانٍ أفٍّ، عنوا به أنَّه لا يتعرض له بنوعٍ من أنواع الأذى، فهو كقوله : فلانٌ لا يملكُ نقيراً ولا قطْمِيراً فهو بحسب العرف يدلُّ على أنه لا يملك شيئاً.
وقيل : إنَّ هذا اللفظ، إنَّما دلَّ على المنعِ من سائر أنواعِ الأذى بالقياس الجليِّ.
وتقريره : أنَّ الشَّرع، إذا نصَّ على حكمٍ في صورةٍ، وسكت عن حكم في صورةٍ أخرى، فإذا أردنا إلحاق الصُّورة المسكوت عن حكمها بالصورة المذكور حكمها، فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون ثبوت ذلك الحكم في محلِّ السكوت أولى من ثبوته في محلِّ الذِّكر كهذه الصورة؛ فإنَّ اللفظ إنما دلَّ على المنع من التأفيف، والضَّرب أولى بالمنع.
وثانيها : أن يكون الحكم ف يمحلِّ السكوت مساوياً للحكم في محلِّ الذِّكر، وهذا يسمِّيه الأصوليُّون :« القياس في معنى الأصل » كقوله صلوات الله وسلامه عليه :« مَنْ أعْتقَ شِركاً لهُ في عَبْدٍ، قُوِّمَ عليه البَاقِي » فإنَّ الحكم في الأمَةِ وفي العبد سواء.