موضع « » مَنْ « نصبٌ على التقدير، قال :» وجاز أن يكون في موضع خفض، والتقدير : إلا ممَّن «.
الثالث : أنه بدلاٌ من » كُلِّ شَيطانٍ « فيكون محله الجرَّ، قاله الحوفي، وأبو البقاءِ، وتقدم عن الزجاج، وفيه نظر؛ لأن الكلام موجبٌ.
الرابع : أنه نعتٌ ل » كُلِّ شَيْطانٍ « فيكون محله الجر، على خلاف في هذه المسألة.
الخامس : أنَّه في محلِّ رفع بالابتداءِ، وخبره الجملة من قوله تعالى :﴿ فَأَتْبَعَهُ ﴾، وإنما دخلت الفاء؛ لأنَّ » مَنْ « إمَّا شرطيةٌ، وإمَّا موصولةٌ، مشبهةٌ بالشرطية. قاله أبو البقاء وحينئذٍ يكونُ من باب الاستثناءِ المنقطعه.
والشِّهَابُ : الشُّعلةُ مِنَ النَّارِ، وسُمِّي بها الكوكبُ؛ لشدَّة ضَوئِه، وبَريقه، وكذلك سُمَّي السِّنانُ شِهَاباً، ويجمع على :» شُهُبٍ « في الكثرةِ، و » أشْهُبٍ « في القلَّة، والشُّهْبَةُ : بياضٌ مختلطٌ بسوادٍ؛ تَشْبِيهاً بالشِّهاب؛ لاختلاطه بالدُّخانِ، ومنه : كَتيبةٌ شهباءُ لسوادِ القَوْمِ، وبياض الحديدِ، ومِنْ ثمَّ غلط الناس في إطلاقهم الشُّبهة على البياضِ الخالص.
وقال القرطبيُّ :» أتْبَعَه « : أدركهُ ولَحِقهُ، شهابٌ مُبِينٌ، أي : كوكبٌ مُضيءٌ، وكذلك :﴿ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ [ النمل : ٧ ] أي : شُعلة نارٍ في رَأسِ عُودٍ، قاله ابن عزيزٍ؛ وقال ذُو الرُّمَّ :[ البسيط ]
وسُمِّي الكَوكَبُ شِهَاباً، لأنَّ بَريقَهُ يُشْبِه النَّار.٣٢٧٠ كَأنَّه كَوكَبٌ فِي إثْرِ عِفْريَةٍ مُسَوَّمٌ فِي سَوادِ اللَّيْلِ مُنْقَضبُ
وقيل : شهابٌ شُعلة من نار تبين لأهل الأرضِ، فتحرقهم ولا تعود إذا أحرقتهم، كما إذا أحرقت النارُ، لم تعد، بخلاف الكواكب فِإنه إذا أحرق، عاد إلى مكانه.
فصل
قال ابن عبَّاسٍِ رضي الله عنه :» إلاَّ مِنَ اسْترقَ السَّمْعَ « يريد الخفطة اليسيرة، وذلك أن الشياطين يركبُ بعضهم بعضاً إلى سماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة، فيُرمون من الكواكب، فلا تخطيء أبداً، فمنهم من يقتله، منهم من يحرقُ وجهه وجنبه ويده حيث يشاء الله، ومنهم من تخبله؛ فيصير غولاً؛ فيقتل الناس في البراري.
روى أبو هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسول الله ﷺ » إذَا قَضَا اللهُ الأمْرَ فِي السَّماءِ، ضَربَتِ المَلائِكةُ بأجْنِحَتهَا خضعاناً لقوله كَأنَّه سِلسِلَةٌ على صِنْوانٍ، فإذَا فزعَ عَنْ قُلوبِهمْ، قالوا : مَاذَا قَال ربُّكُمْ؟ قَالُوا : الَّذي قَالَ الحَقُّ وهُوَ العليُّ الكَبيرُ، فَيُسْمعها مُسْترِقُ السَّمع، مُسْترِقُ السمعِ هَكَّذَا بَعضهُ فَوْقَ بَعْضٍ، ووَصفَ سُفْيَانُ بِكفِّه فحرَّقها وبدَّدَ بيْنَ أصَابعهِ، فيَسْمَعُ الكَلِمة، فيُلْقِهَا إلى مَنْ تَحْتهُ ثُمَّ يُلْقيها الآخرُ إلى مَنْ تَحْتهُ، حتَّى يُلقِيهَا على لِسانِ السَّاحر، والكَاهنِ، ورُبّضما أدْركهُ الشِّهابُ قبْلَ ِِأنْ يلقِيهَا، ورُبَّما ألْقَاهَا قبلَ أن يُدرِكَهُ، فيَكذِب مَعَهَا مِائةَ كِذْ، فيقالُ : ألَيْس قد قَالَ لَنَا اليَوْمَ كَذَا وكَذَا، فيصدق بتِلْكَ الكَلمةِ الَّتي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ «.
وهذا لم يكن ظاهراً قبل أن يبعث الرسول ﷺ ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمانه عليه السلام وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساساً لنبوته ﷺ.