قرأ العامة بنصب « مُبْصِرةً » على الحال، وزيدُ بن عليٍّ يرفعها على إضمار مبتدأ، أي : هي، وهو إسناد مجازي، إذ المراد إبصار أهلها، ولكنها لمَّا كانت سبباص في الإبصار، نسب إليها، وقرأ قومٌ بفتح الصَّاد، مفعولٌ على الإسناد الحقيقيِّ، وقتادة بفتح الميم والصَّاد، أي : محل إبصارٍ، كقوله - عليه السلام- :« الولدُ مَبْخَلةٌ مَجْبَنةٌ »، وكقوله :[ الكامل ]

٣٤٣٣-................. والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لنَفْسِ المُنْعمِ
أجرى هذه الأشياء مجرى الأمكنة؛ نحو : أرضٌ مسبعةٌ ومذأبةٌ.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ يجوز أن يكون مفعولاً له، وأن يكون مصدراً في موضع الحال : إمَّا من الفاعل، أي : مخوِّفين أو من المفعول، اي : مخوَّفاً [ بها ].

فصل


المعنى أنَّ الآية التي التمسوها مثل آية ثمود، وقد آتينا ثمود النَّاقة مبصرة، اي : واضحة بيِّنة، ثم كفروا بها، فاستحقُّوا بها عذاب الاستئصال، فكيف يتمنَّاها هؤلاء على سبيل الاقتراح والتَّحكُّم.
قال الفراء : مبصرة : مضيئة.
قال تعالى :﴿ والنهار مُبْصِراً ﴾ [ يونس : ٦٧ ] أي : مضيئاً، وقيل : مبصرة أي : ذات إبصار، أي : فيها إبصارٌ لمن تأمَّلها ببصر بها رشده، ويستدلُّ بها على صدق ذلك الرسول - صلوات الله عليه-.
﴿ فَظَلَمُواْ بِهَا ﴾ أي : ظلموا أنفسهم بتكذيبها، أي : فعاجلناهم بالعقوبة.
وقال ابن قتيبة : ظلموا بها، أي : جحدوا بأنَّها من الله تعالى، ثم قال تعالى ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ قيل : لأنه لا آية إلاَّ وتتضمَّن التخويف عند التكذيب، إمَّا من العذاب المعجَّل، أو من العذاب المؤجَّل عذاب الآخرة.
فإن قيل : المقصود الأعظم من إظهار الآياتِ أن يستدلَّ بها على صدق المدَّعى؛ فكيف حصر المقصود من إظهارها في التَّخويف؟.
فالجواب : أن مدَّعي النبوّة، إذا أظهر الآية، فإذا سمع الخلق منه ذلك، فهم لا يعلمون أنَّ تلك الآية معجزةٌ، أو غير معجزةٍ، إلاَّ أنَّهم يجوزون كونها معجزة، وبتقدير أن تكون معجزة، فلو لم يتفكَّروا فيها، ولم يستدلُّوا على الصِّدق، لاستحقوا العذاب الشديد، فهذا الخوف هو الذي يحملهم على التفكُّر والتأمل في تلك المعجزات، فهذا هو المراد من قوله :﴿ وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾.


الصفحة التالية
Icon