« لا تَدْخُلُوا الجَنَّة حتَّى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتَّى تَحابُّوا » وقوله :[ الرجز ]
٣٤٤٦- أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدْلُكِي | وجْهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكِي |
والتخريج الثاني : أنَّ الأصل « يُدْعَى » كما نقله عنه الدَّاني، إلاَّ أنه قلب الألف واواً وقفاً، وهي لغة قومٍ، يقولون : هذه أفْعَوْ وعَصَوْ، يريدون : أفْعى وعَصَا، ثم أجري الوصل مجرى الوقفِ. و « كُلُّ » مرفوعٌ لقيامه مقام الفاعل على هذا، ليس إلا.
قوله تعالى :﴿ بِإِمَامِهِمْ ﴾ يجوز أن تكون الباء متعلقة بالدعاء، أي : باسم إمامهم، قال مجاهدٌ : بِنَبِيِّهِمْ.
ورواه أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً، فيقال : يا أمَّة فلانٍ، وقال أبو صالحٍ والضحاك : بِكتَابهمْ.
وقال الحسنُ وأبو العاليةِ : بأعمَالِهمْ.
وقال قتادة : بكتابهم الذي فيه أعمالهم؛ بدليل سياق الآية. وقوله تعالى :﴿ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يس : ١٢ ].
وعن انب عباس - رضي الله عنه - وسعيد بن جبيرٍ : بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالٍ أو هدًى.
قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [ الأنبياء : ٧٣ ] وقال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار ﴾ [ القصص : ٤١ ].
وقيل : بمعبودهم.
وأن تكون للحالِ، فيتعلق بمحذوفٍ، أي : ندعوهم مصاحبين لكتابهم، والإمامُ : من يقتدى به، وقال الزمخشريُّ :« ومن بدعِ التفاسير : أن الإمام جمع » أمٍّ « وأنّ الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم، وأن الحكمة فيه رعايةُ حقِّ عيسى - صلوات الله عليه-، وإظهار شرف الحسن والحسين، وألاَّ يفضح أولادُ الزِّنى » قال : وليت شعري أيُّهما أبدعُ : أصحَّة لفظه، أم بهاءُ حكمته؟ «.
وهو معذورٌ لأنَّ » أم « لا يجمع على » إمام « هذا قول من لا يعرف الصناعة، ولا لغة العرب، وأمَّا ما ذكروه من المعنى، فإنَّ الله تعالى نادى عيسى - صلوات الله عليه - باسمه مضافاً لأمِّه في عدَّة مواضع من قوله ﴿ ياعيسى ابن مَرْيَمَ ﴾ [ المائدة : ١١٠ ]، وأخبر عنه عليّ رضي الله عنه وكرَّم وجهه.
قوله تعالى :﴿ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ﴾ يجوز أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة، والفاء لشبهه بالشرط، وحمل على اللفظ أولاً في قوله ﴿ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾ فأفرد، وعلى المعنى ثانياً في قوله :» فأولَئِكَ « فجمع. لأن من أوتي كتابه في معنى الجمع.
ثن قال :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾.
الفَتِيلُ : القشرة التي في شقِّ النَّواة، وسمِّي بذلك؛ لأنَّه إذا رام الإنسان إخراجهُ انفتل، وهذا مثلٌ يضرب للشَّيء الحقير التَّافهِ، ومثله : القطميرُ والنَّقير.
والمعنى : لا ينقصون من الثواب بمقدار فتيلٍ ونظيره ﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [ مريم : ٦٠ ] وروى مجاهدٌ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الفتيلُ هو الوسخُ الذي يفتلهُ الإنسانُ بين سبَّابته وإبهامه.
وهو فعيلٌ بمعنى مفعولٍ.
فإن قيل : لم خصَّ أصحاب اليمين بقراءة كتابهم، مع أنَّ أهل الشِّمال يقرءونه؟! فالجواب : الفرق بينهما أنَّ أهل الشِّمال، إذا طالعوا كتابهم، وجدوه مشتملاً على المهلكاتِ العظيمة، والقبائح الكاملة، والمخازِي الشديدة، فيستولي الخوف والدهشة على قلبهم، ويثقل لسانهم، فيعجزوا عن القراءةِ الكاملة، وأما أصحاب اليمين، فعلى العكس، فلا جرم أنَّهم يقرءون كتابهم على أحسن الوجوه، ثم لا يكتفون بقراءتهم وحدهم، بل يقولون لأهل المحشر :﴿ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ ﴾ [ الحاقة : ١٩ ] فظهر الفرق.