قرأ العامة بفتح كاد تركن مضارع رَكِن بالكسر، وقتادة، وابن مصرف، وابن أبي إسحاق « تَرْكُن » بالضم مضارع « رَكَن » بالفتح، وهذا من التداخل، وقد تقدم تحقيقه في أواخر « هود » و « شيئاً » منصوب على المصدر، وصفته محذوفة، أي شيئاً قليلاً من الركون، أو ركوناً قليلاً.
قال ابن عباس : يريد حيث سكوتك عن جوابهم.
قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال النبي ﷺ :« اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ».
ثم توعد في ذلك أشد التوعد، فقال :﴿ إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة ﴾ أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف حقيقة هذا الكلام؟ قلت : أصله لأذقناك عذاب الحياة، وعذاب الممات، لأن العذاب عذابان عذاب في الممات، وهو عذاب القبر وعذاب في الحياة الآخرة، وهو عذاب النار، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى :﴿ فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] يعني عذاباً مضاعفاً، فكان أصل الكلام : لأذقناك عذاباً ضعفاً عذاباً ضعفاً في الحياة، وعذاباً ضعفاً في الممات ثم حذف الموصوف، فأثبت الصفة مقامه وو الضعف، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف، فقيل : ضعف الحياة، وضعف الممات، لما تقدم في القرآن من وصف العذاب بالضعف في قوله :﴿ مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النار ﴾ [ ص : ٦١ ] وحاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك، وعقدت على الركون إليه لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا وفي الآخرة، وصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة، والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم الله في حق الأنبياء عليهم السلام أكثر فكانت ذنوبهم أعظم، وكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر، ونظيره قوله تعالى :﴿ يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ].
فإن قيل : قال عليه السلام :« من سن سنة سيئة فعلية وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » فموجب هذا الحديث أنه عليه السلام لو عمل بما قالوه، لكان وزره مثل وزر كل واحد من أولئك الكفار، وعلى هذا التقدير فكان عقابه زائداً على الضعف.
فالجواب : إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه إلا بالبناء على دليل الخطاب، وهو دليل ضعيف، ثم قال تعالى :﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾ يعني : إذا أذقناك العذاب المضاعف لم تجد أحداً يخلصك من عذابنا.
فإن قيل : كان النبي ﷺ معصوماً، فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه، وما طلبوه كفر؟.
قيل : كان ذلك خاطر قلب لم يكن عزماً، وقد عفا الله تعالى عن حديث النفس.
والجواب الصحيح هو أن الله تعالى قال :﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ﴾.