قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما المستقدمين : الأموات، والمستأخرين : الأحياءُ.
وقال الشعبيُّ رضي الله عنه : الأولين، والآخرين.
وقال عكرمة : المستقدمون : من خلق الله، والمستأخرون : من لم يخلق.
وقيل : المستقدمين : القرون الأولى، والمستأخرين : أمة محمدٍ ﷺ.
وقال الحسن : المستقدمين : في الطَّاعة والخير، والمستأخرين : في صفِّ القتال.
وقال ابن عيينه : أراد من سلم، ومن لم يسلم.
وقال الأوزاعيُّ : أ راد المصلِّين في أول الوقت، المؤخِّرين إلى آخره.
روى أبو الجوزاء، عن ابن عباس : كانت امرأةٌ حسناء تصلِّي خلق النبي ﷺ فكان قومٌ يتقدمون إلى الصف الأول؛ لئلا يرونها، وآخرون يتأخَّرون، ليرونها.
وفي رواية : أنَّ النساء كنَّ يخرجن إلى الجماعة، فيقفن خلف الرجال، من النساء من في قلبها ريبة، فتقدم إلى أول صفِّ النساء؛ لتقرب من الرجال؛ فنزلت الآية، فقال النبي ﷺ :« خَيْرُ صُفوفِ الرِّجالِ أوَّلُها وشَرُّها أخرُهَا، وخَيْرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُهَا وشَّرُّهَا أوَّلُهَا ».
وروري أنَّ النبي ﷺ رغَّب في الصف الأول في الصلاة [ فازدحم ] النس عليه؛ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
والمعنى : إنَّا نجزيهم على قدر نيَّاتهم.
فصل
قال القرطبي :« الآية تدلُّ على فضل أول الوقت في الصلاة، وعلى فضل الصف الأوَّل، كما تدل على فضل الصف الأول في الصَّلاة، كذلك تدلُّ على فضل الصفِّ الأول في القتال‘ فإنَّ القيام في وجه العدوِّ، وبيع العبد نفسه من الله تعالى لا يوازيه عملٌ، ولا خلاف في ذلك ».
واعلم أنَّ ظاهر الآية يدل على أنه لا يخفى على الله شيء من أحوالهم؛ فيدخل فيه علمه بتقدّمهم، وتأخرهم، في الحدوثِ، الوجود في الطاعات وغيرها؛ فلا ينبغي أن تخص بحالةٍ دون حالةٍ.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ على ما علم منهم، وذلك تنبيه على أنَّ الحشر، والنشر، البعث، والقيامة، أمرٌ واجبٌ ﴿ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ أي : أنَّ الحكمة تقتضي وجوب الحشر، والنشر، وعلى ما تقرر في أول سورة يونس عليه السلام.