وأمَّا من قال : إنَّ صلاة الليل كانت واجبة على رسول الله ﷺ فقالوا : معنى كونها نافلة له على التخصيص، يعني : أنَّها فريضةٌ لك، زائدة على الصَّلوات الخمس، خصِّصت بها من دون أمَّتك؛ ويدلُّ على هذا القولِ قوله تعالى :﴿ فَتَهَجَّدْ ﴾ والأمر للوجوب، ويرد هنا قوله :﴿ نَافِلَةً لَّكَ ]، لأنَّه لو كان المراد الوجوب، لاقل :« نَافِلةً عليك ».
واعلم أنَّ قوله تعالى :{ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْآنَ الفجر ﴾ وإن كان ظاهر الأمر فيه مختصًّا بالرسول - صلوات الله عليه وسلامه - إلا أنَّه في المعنى عامٌّ في حقِّ الأمَّة؛ ويدلُّ عليه قوله تعالى :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ بيَّن أن الأمر بالتهجد يختصُّ بالرسول - صلوات الله وسلامه عليه - والأمر بالصَّلوات الخمس غير مخصوصٍ بالرسول - صلوات عليه - وإلاَّ لم يكن لتقييد المر بالتهجُّد بهذا القيد فائدةٌ.
قوله تعالى :﴿ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ في نصب « مقاماً » أربعة أوجه :
أحدها : أنه منصوبٌ على الظرف، أي : يبعثك في مقام.
الثاني : أن ينتصب بمعنى « يَبْعثكَ » ؛ لأنه في معنى « يُقِيمكَ » ؛ يقال : أقيم من قبره، وبعث منه، بمعنًى، فهو نحو : قعد جلوساً.
الثالث : أنه منصوبٌ على الحال، أي : يبعثك ذا مقامٍ محمود.
الرابع : أنه مصدر مؤكد، وناصبه مقدر، أي : فيقوم مقاماً.
و « عَسَى » على الأوجه الثلاثة دون الرابع يتعيَّن فيها أن تكون التامة؛ فتكون مسندة إلى « أنْ » وما في حيِّزها؛ إذ لو كانت ناقصة على أن يكون « أنْ يَبْعثكَ » خبراً مقدَّماً، و « ربُّكَ » اسماً مؤخراً؛ لزمَ من ذلك محذورٌ : وهو الفصل بأجنبي بين صلة الموصول ومعمولها، فإنَّ « مَقاماً » على الأوجه الثلاثة الأول : منصوبٌ ب « يَبْعثكَ »، وهو صلة ل « أنْ »، فإذا جعلت « ربُّكَ » اسمها، كان أجنبيًّا من الصلة، فلا يفصل به، وإذا جعلته فاعلاً، لم يكن أجنبيًّا، فلا يبالي بالفصل به.