قوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح ﴾ الآية.
رُوِثَ أن اليهود قالوا لقريشٍ : اسألوا محمداً عن ثلاثةِ أشياء، فإن أجاب عن كلِّها، أو لم يجب عن شيءٍ، فليس بنبيٍّ، وإن أجاب عن اثنين، وأمسك عن الثَّالِث، فهو نبيٌّ؛ فاسألوا عن فتيةٍ فقدوا في الزَّمنِ الأوَّل، فما كان أمرهم؛ فإنهم كان لهم حديثٌ عجيبٌ؟ وعن رجلٍ بلغ مشرق الشَّمسِ، ومغربها، ما خبره؟ وعن الرُّوحِ؛ فسأله، فقال النبي ﷺ :« غداً أخبركم » ولم يقل : إن شَاءَ الله، فانقطع عنه الوحي.
قال مجاهدٌ : اثنتي عشرة ليلة، وقيل : خمسة عشر يوماً، وقال عكرمة : أربعين يوماً، وأهل مكَّة يقولون : وعدنا محمد غداً، وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيءٍ، حتَّى حزن النبي ﷺ من مكث الوحي، وشقَّ عليه ما يقول أهل مكَّة، ثم نزل الوحي بقوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ].
ونزل في الفتية :﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾ [ الكهف : ٩ ].
ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين ﴾ [ الكهف : ٨٣ ].
ونزل في الرُّوح :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
قال ابن الخطيب : ومن النَّاس من [ طعن ] في هذه الرواية؛ من وجوه :
أولها : قالوا : ليس الروح أعظم شأناً، ولا أعلى درجة من الله تعالى، فإن كانت معرفة الله تعالى حاصلة ممكنة، فأي مانعٍ يمنع من معرفة الروح؟!.
وثانيها : أن اليهود قالوا : إن أجاب عن قصَّة أهل الكهف، وقصَّة ذي القرنين، ولم يجب عن الروح، فهو نبيٌّ، وهذا كلامٌ بعيد عن العقلاء؛ لأن قصَّة أصحاب الكهف، وقصَّة ذي القرنين ليست إلا حكاية، والحكاية لا تكون دليلاً على النبوة.
وأيضاً : فالحكاية التي يذكرها : إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته، أو بعد العلم بنبوته.
فإن كانت قبل العلم بنبوته، كذَّبوه فيها، وإن كانت بعد العلم بنبوته، فحينئذٍ : نبوَّتهُ معلومة؛ فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية وأما عدم الجواب عن حقيقةِ الروح، فهذا يبعد جعله دليلاً على صحَّة النبوة.
وثالثها : أنَّ مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة، وأراذل المتكلِّمين، فلو قال الرسول ﷺ :« إنِّي لا أعرفُها » لأورث ذلك ما يوجبُ التَّحقيرَ، والتَّنفيرَ؛ فإنَّ الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أيِّ إنسانٍ كان، فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماءِ، وأفضل الفضلاء؟!.
رابعها : أنه تعالى قال في حقِّه ﴿ الرحمن عَلَّمَ القرآن ﴾ [ الرحمن : ١، ٢ ].
وقال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [ النساء : ١١٣ ].
وقال :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [ طه : ١١٤ ].
وقال في [ حقِّه، أي القرآن، وصفته ] :﴿ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ].
وكان ﷺ يقول :