فإن قالوا : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى أن يتحكَّم عليه المتحكِّمون في اقتراح الأشياء؟.
فالجواب : أنَّ القوم لم يتحكَّموا على الله، وإنما قالوا للرسول : إن كنت نبيًّا صادقاً، فاطلب من الله أن يشرِّفك بهذه المعجزات، فالقوم إنَّما تحكَّموا على الرسول ﷺ لا على الله، فلا يليقُ حمل قوله :﴿ سُبْحَانَ رَبِّي ﴾ على هذا المعنى، فيجب حمله على قولهم ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بالله ﴾.

فصل في تقرير هذا الجواب


اعلم أنَّ تقرير هذا الجواب : أن يقال : إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنَّكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء، أو طلبتم منِّي أن أطلب من الله إظهارها على يديَّ؛ لتدلَّ لكم على كوني رسولاً حقًّا من عند الله.
والأول باطلٌ؛ لأنِّي بشر، والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء.
والثاني أيضاً : باطل؛ لأنِّي قد أتيتكم بمعجزة واحدة، وهي القرآن، فطلب هذه المعجزات طلبٌ لما لا حاجة إليه، وكان طلبها يجري مجرى التعنُّت والتحكُّم، وأنا عبدٌ مأمورٌ ليس لي أن أتحكَّم على الله؛ فسقط هذا السؤال؛ فثبت كونُ قوله :﴿ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ جواباً كافياً في هذا الباب.


الصفحة التالية
Icon