قوله تعالى :﴿ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما أنه في محلِّ جر صفة ل « صَلْصَالِ » ؛ فيتعلق بمحذوف.
والثاني : أ، ه بدل من « صَلْصالٍ » بإعادة الجارِّ. والحَمَأ : الطِّينُ الأسودُ المنتنُ.
قال الليث رحمه الله : واحده « حَمَأة » بتحريك العين جمعله اسم جنسٍ؛ وقد غلط في ذلك؛ فإن أهل اللغة قالوا : لا يقال إلاَّ « حَمْأة » [ بالإسكان ]، ولا يعرف التحريك؛ نصَّ عليه أبو عبيدة، وجماعة؛ وأنشدوا لأبي الأسودِ :[ الوافر ]

٣٢٧٦ تَجِيءُ بمِلْئِهَا طُوْراً وطَوْراً تَجِيءُ بِحَمْأةٍ وقَلِيلِ مَاءِ
فلا يكون « الحَمَأة » واحدة « الحَمْأ » ؛ لاختلاف الوزنين.
والمَسْنُون : المَصْبُوب؛ من قولهم : سَنَنتُ الشَّرابَ، كأنَّه لِرُطُبتهِ جعل مَصْبُوباً، كغيره من المائعات، فكأن المعنى : أفرغ صورة إنسانٍ، كما تفرغ الجواهر المذابة.
قال الزمخشريُّ : وحقُّ « مَسْنُونٍ » بمعنى مصور : أن يكون صفة ل « صَلْصالٍ » ؛ كأنه أفرغ الحمَأ، فصوَّر منه تمثال شخصٍ. يعني أنه يصيرُ التقدير : من صلصالٍ مصوَّرٍ، ولكن يلزم تقديم الوصف المؤول على الصَّريح؛ إذا جعلنا :« مِنْ حَمَأ » صفة ل « صَلْصَالٍ »، أمَّا إذا جعلناه بدلاً منه؛ فلا.
وقيل : مسنونٌ : مصوَّرٌ من سنَّة الوجه، وهي صورته؛ قال الشاعر :[ البسيط ]
٣٢٧٧ تُرِيكَ سُنَّة وجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ...........................
وقال الزمخشريُّ : والمَسْنُونُ : المَحْكُوكُ، مأخوذٌ من سننت الحجر، إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سَنَنٌ ولا يكون إلاَّ مُنْتِناً.
ومنه يسمَّى المسَن مسَنًّا؛ لأنَّ الحديد يحكُّ عليه.
وقيل : المسنونُ : المنسوب إليه، والمعنى ينسب إليه ذريته، وكأن هذا القائد أخذه من الواقع، وقيل : هو من أسنَّ الماء إذا تغيَّر، وهذا غلط؛ لاختلافِ المادتين.
رُوِيَ أنَّ الله تعالى خمَّر طينة آدم، وتركه حتى صار متغيِّراً أسود، ثم خلق منه آدم صلوات الله وسلامه عليه.
قوله :﴿ والجآن خَلَقْنَاهُ ﴾ منصوب على الاشتغال، ورجَّح نصبه؛ لعطف جملة على جملة فعليةٍ.
والجَّانُّ : أبُو الجنّ، هو إبليس؛ كآدم أبي الإنسِ، وقيل : هو اسمٌ لجنسِ الجن.
وقرأ الحسن :« والجَأن » بالهمز، وقد تقدّم الكلام في ذلك في أواخر الفاتحة.

فصل


قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : الجان ِأبو الجن؛ كما أن آدم أبو البشر، وهو قول الأكثرين.
وروي أيضاً عن ابن عباسٍ، والحسن، ومقاتل، وقتادة رضي الله عنهم : هو إبليس، خلق قبل آدم.
وقيل : الجانُّ أبو الجن : وإبليس أبو الشياطين، وفي الجنِّ : مسلمون، وكافرون، ويحيون ويموتون، وأما الشيَّاطين؛ فليس سفهم مسلمون، ويموتون إذا مات إبليس.
وذكر وهبٌ : أنَّ من الجن من يولد له، ويأكلُونَ، ويشربون بمنزلة الآدميِّين، ومن الجن من هم بمنزلةِ الرِّيح : لاتوالدون، ولا يأكلون، ولا يشربون.


الصفحة التالية
Icon