٣٤٧٤- لَو بِغيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرقٌ | كُنْتُ كالغصَّانِ بالمَاءِ اعْتِصَارِي |
واعلم أنَّ خزائن رحمة الله غير متناهية؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النِّعم خزائن لا نهاية لها، لتقيمنَّ على الشحِّ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة.
قوله :« لأمْسَكْتُمْ » يجوز أن يكون لازماً؛ لتضمنه معنى « بخِلتمْ » وأن يكون متعدِّياً، ومفعوله محذوف، أي : لأمسكتم المال، ويجوز أن يكون كقوله ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ].
قوله :﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال، قاله أبو البقاء، أي : خاشين الإنفاق، وفيه نظر؛ إذ لا يقع المصدر المعرفة موقع الحال، إلا سماعاً؛ نحو :« جَهْدكَ » و « طَاقَتكَ »، وكقوله :
٣٤٧٥- وأرْسلَهَا العِراكَ.............. | ................... |
قوله :﴿ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ﴾، أي : نعمة ربِّي.
﴿ إِذاً لأمْسَكْتُمْ ﴾ لبخلتم.
﴿ خَشْيَةَ الإنفاق ﴾ : الفاقة.
وقيل : خشية النفاق يقال : أنفق الرجل، أي : أملق، وذهب ماله، ونفق الشَّرُّ، أي : ذهب.
وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق؛ خشية الفقر، ومعنى « قَتُوراً » : قال قتادة : بخيلاً ممسكاً.
يقال : أقْتَرَ يُقْتِرُ إقتاراً، وقتَّر تَقْتِيراً : إذا قصَّر في الإنفاق.
فإن قيل : قد حصل في الإنسان الجواد، والكريم.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن الأصل في الإنسان البخلُ؛ لأنَّه خلق محتاجاً، والمحتاج لا بد وأن يحبَّ ما به يدفع الحاجة، وأن يمسكه لنفسه، إلا أنَّه قد يجود به [ لأسبابٍ ] من خارج، فثبت أنَّ الأصل في الإنسان البخلُ.
الثاني : أنَّ الإنسان إنَّما يبذلُ؛ لطلب الحمدِ، وليخرج من عهدة الواجب، ثم للتَّقرُّب إلى الله تعالى، فهو في الحقيقة إنَّما أنفق ليأخذ العوض، فهو بخيلٌ، والمراد بهذا الإنسان المعهود السَّابق، وهم الذين قالوا :﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ].