إلا أنَّ أبا البقاء ذكر [ حال ] كونه ظرفاً، ما يقتضي أن يعمل فيه فعلٌ مستقبل، فقال :« والثاني : أن يكون ظرفاً، وفي العامل وجوه :
أحدها :»
آتيْنا «.
والثاني :»
قلنا « مضمرة.
والثالث :[ »
قُل « ]، تقديره : قل لخصمك : سل؛ والمراد به فرعون، أي : قل، يا موسى، وكان الوجه أن يقال : إذ جئتهم بالفتح، فخرج من الخطاب، إلى الغيبة ».
فظاهر الوجه الثالث : أن العامل فيه « قُلْ » وهو ظرف ماض، على أنَّ هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيء؛ إذ يرجع إلى : يا موسى، قل لفرعون : يا فرعون سل بني إسرائيل، فيعود فرعون هو السائل لبني إسرائيل، وليس المراد ذلك قطعاً، وعلى التقدير الذي تقدم عن الزمخشري- وهو أن المعنى : يا موسى، سل بني إسرائيل، [ أي : اطلبهم من فرعون - يكون المفعول الأول للسؤال محذوفاً، والثاني هو « بني إسْرائيلَ » ]، والتقدير : سَلْ فرعون بني إسرائيل، وعلى هذا : فيجوز أن تكون المسألة من التنازع، وأعمل الثاني؛ إذ التقدير : سل فرعون، فقال فرعون، فأعمل الثاني، فرفع به الفاعل، وحذف المفعول من الأول، وهو المختار من المذهبين.
والظاهر غير ذلك كلِّه، وأن المأمور بالسؤال سيدنا رسول الله ﷺ وبنو إسرائيل كانوا معاصريه.
والضمير [ في ] « إذْ جَاءَهُمْ » : إمَّا للآباء، وإمَّا لهم على حذف مضافٍ، أي : جاء آباءهم.

فصل في معنى « واسأل بني إسرائيل »


المعنى : فسَلْ، يا محمد، بني إسرائيل؛ إذ جاءهم موسى، يجوز أن يكون الخطاب معه، والمراد غيره، ويجوز أن يكون خاطبه - ﷺ - وأمره بالسؤال؛ ليتبيَّن كذبهم مع قومهم، فقال له فرعون :﴿ إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً ﴾.
وقوله « مَسْحُوراً » : وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه بمعناه الأصلي، أي : إنك سحرت، فمن ثمَّ؛ اختل كلامك، قال ذلك حين جاءه بما لا تهوى نفسه الخبيثة، قاله الكلبي.
وقال ابن عباس : مخدوعاً، وقال : مصروفاً عن الحقِّ.
والثاني : أنه بمعنى « فاعل » كميمون ومَشْئُوم، أي : أنت ساحرٌ؛ كقوله :﴿ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ]. فوضع المفعول موضع الفاعل، قاله الفراء، وأبو عبيدة، وقال ابن جرير : يعطى علم السِّحر؛ فلذلك تأتي بالأعاجيب، يشير لانقلابِ عصاه حيَّة ونحو ذلك.
قوله :﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ : قرأ الكسائي بضمِّ التاء أسند الفعل لضمير موسى - عليه السلام - أي : إنِّي متحققٌ أن ما جئتُ به هو منزَّلٌ من عند الله تعالى، والباقون بالفتح على إسناده لضمير فرعون، أي : أنت متحقِّقٌ أنَّ ما جئت به هو منزَّل من عند الله، وإنَّما كفرك عنادٌ، وعن عليّ - رضي الله عنه - أنه أنكر الفتح، وقال :« ما عَلِمَ عدُو الله قطُّ، وإنَّما علمَ مُوسَى »، [ ولَو عَلِمَ، لآمنَ؛ ] فبلغ ذلك ابن عباس، فاحتجَّ بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon