قوله :﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا ﴾ : يخاطب الذين اقترحوا تلك المعجزات العظيمة؛ على وجه التَّهديد والإنكار، أي : أنَّه تعالى، أوضح البينات والدلائل، وأزاح الأعذار، فاختاروا ما تريدون.
﴿ إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ ﴾ أي : من قبل نزول القرآن، قال مجاهد : هم ناسٌ من أهل الكتاب، كانوا يطلبون الدِّين قبل مبعث النبي ﷺ ثمَّ أسلموا بعد مبعثه؛ كزيد بن عمرو بن نفيلٍ، وسلمان الفارسيِّ، وأبي ذرٍّ، وورقة بن نوفلٍ، وغيرهم.
﴿ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ يعني القرآن.
﴿ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ﴾. يعني : يسقطون للأذقان، قال ابن عباس : أراد به الوجوه.
قوله :﴿ لِلأَذْقَانِ ﴾ : في اللام ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها بمعنى « على »، أي : على الأذقان؛ كقولهم : خرَّ علىوجهه.
والثاني : أنها للاختصاص، قال الزمخشري : فإن قيل : حرف الاستعلاءِ ظاهر المعنى، إذا قلت : خرَّ على وجهه، وعلى ذقنه، فما معنى اللام في « خرَّ لذقنه، ولوجهه » ؟ قال :[ الطويل ]
٣٤٧٨-................ | فَخرَّ صَرِيعاً للْيَديْنِ وللْفَمِ |
وقيل : الأذقان اللِّحى؛ فإن الإنسان، إذا بالغ في السجود، والخضوع، ربَّما مسح ليحتهُ على التُّراب؛ فإنَّ اللحية يبالغ في تنظيفها، فإذا عفَّرها بالتُّراب، فقد أتى بغايةِ التعظيم [ للخُرور ].
واختصَّ به؛ لأنَّ اللام للاختصاص، وقال أبو البقاء :« والثاني : هي متعلقة ب » يَخِرُّون «، واللام على بابها، أي : مذلُّون للأذقان ».
والأذقانُ : جمعُ ذقنٍ، وهو مجمعُ اللَّحيين؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٣٤٧٩- فَخرُّوا لأذقَانِ الوُجوهِ تَنُوشُهمْ | سِباعٌ من الطَّيْرِ العَوادِي وتَنتِفُ |
فإن قيل : لم قيل : يَخرُّون للأذقان سجداً، ولم يقل يسجدون؟
والجواب : أن المقصود من هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك؛ حتَّى أنهم يسقطون.
ثم قال :﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴾، أي : كان قولهم في سجودهم :« سبحان ربِّنا »، أي : ينزِّهونه، ويعظِّمونه ﴿ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴾ أي : بإنزال القرآن، وبعث محمد - ﷺ - وهذا يدلُّ على أنَّ هؤلاء كانوا من أهل الكتاب، لأنَّ الوعد ببعثة محمد سبق في كتابهم، وهم كانوا ينتظرون إنجاز ذلك الوعد، ثم قال :﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ﴾.