أما إذا كان منزَّهاً عن الولد، وعن الشَّريك، وعن أن يكون له وليٌّ يلي أمرهُ، كان مستوجباً لأعظم أنواع الحمد والشُّكر.
قوله :﴿ مَّنَ الذل ﴾ : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها صفة ل « وليّ »، والتقدير : وليٌّ من أهل الذلِّ، و المراد بهم : اليهود والنصارى؛ لأنهم أذلُّ الناس.
والثاني : أنها تبعيضية.
الثالث : أنها للتعليل، أي : من أجل الذلِّ، وإلى هذين المعنيين نحا الزمخشريُّ فإنه قال :« وليٌّ من الذلِّ : ناصر من الذلِّ، ومانع له منه؛ لاعتزازه به، أو لم يوالِ أحداً لأجل مذلَّة به؛ ليدفعها بموالاته ».
وقد تقدَّم الفرق بين الذُّلِّ والذِّلّ في أول هذه السورة [ الآية : ٢٤ ].

فصل في معنى قوله :﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾


معنى قوله :﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾، أي : أنَّ التمجيد يكون مقروناً بالتكبير، والمعنى : عظِّمه عن أن يكون له شريكٌ، أو وليٌّ؛ قال - ﷺ - « أحَبُّ الكلام إلى الله تعالى اربع : لا إله إلا الله، و الله أكبر، وسبحان الله، والحمدُ لله لا يضرك بأيِّهنَّ بدأت ».

فصل


روى أبي بن كعب، قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورة بني إسرائيل، فَرَقَّ قَلبهُ عِندَ ذِكْر الوالدين أعْطِيَ في الجنَّة قِنْطَاريْنِ مِنَ الأجْرِ، والقِنطَارُ ألْفُ أوقيَّةٍ، ومِائتَا أوقيَّةٍ، كلُّ أوقيَّةٍ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فِيهَا ».
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- : قول العبد :« الله أكبرُ خيرٌ من الدنيا وما فِيهَا » وهذه الآية خاتمة التَّوراة.
وروى مطرفٌ، عن عبد الله بْنِ كعبٍ، قال :« افتُتِحَتِ التَّوراةُ بفَاتحةِ سُورةِ الأنعامِ، وخُتمَتْ بِخاتمَةِ هذه السُّورةِ ».
وروى عمرُو بنُ شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال : كان النبيُّ ﷺ إذا أفْصَحَ الغلام من بني عَبْدِ المطَّلبِ، عَلَّمهُ : الحَمدُ للهِ الَّذي لَمْ يتَّخذْ ولداً الآية.
وقال عبدُ الحميدِ بنُ واصلٍ : سَمعْتُ عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ قال : مَنْ قَرَأ :﴿ وَقُلِ الحمد لِلَّهِ ﴾ الآية، كَتبَ الله لهُ من الأجْرِ مِثلَ الأرْض والجِبالِ؛ لأنَّ الله تعلى يَقُولُ فيمَنْ زَعمَ أنَّ لهُ ولداً :﴿ تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً ﴾ [ مريم : ٩٠ ].


الصفحة التالية
Icon