ومنها :﴿ بَلْ رَانَ ﴾ [ المطففين : ١٤ ] كان يقف على لام بل، ويبتدئ « ران » لما تقدَّم.
قال المهدويُّ :« وكان يلزمُ حفصاً مثل ذلك، فيما شاكل هذه المواضع، وهو لا يفعله، فلم يكن لقراءته وجهٌ من الاحتجاج إلا اتباعُ الأثر في الرواية ». قال أبو شامة :« أولى من هذه المواضعِ بمراعاةِ الوقفِ عليها :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ﴾ [ يونس : ٦٥ ]، ينبغي الوقف على » قَولهُم « لئلاَّ يتوهَّم أنَّ ما بعده هو المقولُ »، وكذا ﴿ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار الذين يَحْمِلُونَ العرش ﴾ [ غافر : ٦، ٧ ] ينبغي أن يعتنى بالوقف على « النَّار » لئلا تتوهَّم الصفة.
قال شهابُ الدين : وتوهُّمُ هذه الأشياء من أبعد البعيد. وقال أبو شامة أيضاً : ولو لزم الوقفُ على اللام والنون ليظهرا للزمَ ذلك في كلِّ مدغمٍ «. يعني في » بل رانَ « وفي » مَنْ راقٍ «.

فصل


المعنى : ولم يجعل له عوجاً [ قيِّماً ]، أي مختلفاً.
قال تعالى :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً ﴾ [ النساء : ٨٢ ].
قال أهل اللغة : العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، فالمراد منه نفيُ التَّناقضِ.
وقيل : معناه لم يجعلهُ مخلوقاً.
روي عن ابن عبَّاس أنَّه قال في قوله تعالى :﴿ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [ الزمر : ٢٨ ] أي غير مخلوقٍ.
وقوله :»
قيماً « فيما نقل عن ابن عباسٍ أنه قال : يريد مستقيماً [ قال ابن الخطيب :] وهذا عندي مشكلٌ؛ لأنَّه لا معنى لنفي الاعوجاج إلاَّ حصول الاستقامةِ، فتفسير القيّم بالمستقيم يوجبُ التكرار، بل الحق أن يقال : المرادُ من كونه قيِّماً سبباً لهداية الخلق، وأنَّه يجري بحذوِ من يكون قيّماً للأطفال، فالأرواح البشرية كالأطفالِ، والقرآن كالقيِّم المشفق القيم بمصالحهم.
قوله :»
ليُنْذِرَ « في هذه اللام وجهان، أظهرهما : أنها متعلقة ب » قيِّماً « قاله الحوفيُّ. والثاني :- وهو الظاهرُ - أنَّها تتعلق ب » أنْزلَ «. وفاعل » لِيُنذِرَ « يجوز أن يكون » الكتاب « وأن يكون الله، وأن يكون الرسول.
و »
أنْذَرَ « يتعدَّى لاثنين :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ [ النبأ : ٤٠ ] ﴿ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً ﴾ [ فصلت : ١٣ ]. ومفعوله الأول محذوف، يقدره الزمخشري :» ليُنْذِرَ الذين كفروا «، وغيره :» ليُنذِرَ العباد «، أو » ليُنذرَكم «، أو لينذر العالم. وتقديره أحسن لأنه مقابل لقوله » ويُبشِّر المؤمنين «، وهم ضدُّهم.
وكما حذف المنذر وأتى بالمنذر به هنا، حذف المنذر به وأتى بالمنذرِ في قوله ﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ ﴾ [ الكهف : ٤ ] فحذف الأول من الأول لدلالةِ ما في الثاني عليه، وحذف الثاني من الثاني لدلالة ما في الأول عليه، وهو في غاية البلاغة، ولمَّا لم تتكرَّر البشارة ذكر مفعوليها فقال :﴿ وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ﴾.


الصفحة التالية
Icon