اعلم أنَّ قوله :﴿ وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً ﴾ معطوف على قوله :﴿ لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ ﴾ [ الكهف : ٢ ]، والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه، فالأول عام في حقِّ كلِّ من استحقَّ العذاب، والثاني خاصٌّ بمن قال : إنَّ الله اتَّخذ ولداً، والقرآن جارٍ بأنه إذا ذكر الله قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها؛ تنبيهاً على كون ذلك البعض المعطوف أعظم جزئيات ذلك الكلي [ أيضاً ]، كقوله تعالى :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] فكذا ها هنا يدل على أن أعظم أنواعِ الكفر والمعصيةِ إثباتُ الولد لله تعالى.
فصل
واعلم أنَّ المثبتين لله تعالى الولد ثلاث طوائف :
الأولى : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بناتُ الله.
الثانية : النصارى قالوا : المسيحُ ابن الله.
الثالثة : اليهود، [ حيث ] قالوا : العزير ابنُ الله.
واعلم أنَّ إثبات الولد لله كفرٌ عظيمٌ، وتقدَّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام في قوله :﴿ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠٠ ] وسيأتي تمامه - إن شاء الله تعالى - في سورة مريم؛ لأنَّه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد من وجهين :
الأول : قوله :﴿ مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ ﴾.
فإن قيل : اتخاذ الله تعالى الولد محالٌ في نفسه، فكيف قيل :﴿ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ﴾ [ الزخرف : ٢٠ ] ؟.
فالجوابُ أنَّ انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه؛ وقد يكون لأنَّه في نفسه محالٌ، لا يمكن تعلق العلم به، ونظيره قوله :﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ [ المؤمنون : ١١٧ ].
فصل
تمسَّك نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا : دلَّت هذه الآية على أن القول في الدِّين بغير علمٍ باطل، والقول بالقياس الظنيِّ قول في الدِّين بغير علم، فيكون باطلاً.
وجوابه تقدم عند قوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ].
وقوله :﴿ وَلاَ لآبَائِهِمْ ﴾ أي أحداً من أسلافهم، وهذه مبالغة في كون تلك المقالة فاسدة باطلاة جدًّا.
قوله :﴿ مَّا لَهُمْ بِهِ ﴾ : أي : بالولد، أو باتخاذه، أو بالقول المدلول عليه ب « اتَّخَذَ » وب « قَالُوا »، وبالله.
وهذه الجملة المنفية فيها ثلاثة أوجه :
أظهرها : أناه مستأنفة، سيقت للإخبار بذلك.
والثاني : أنها صفة للولد، قاله المهدويُّ، وردَّه ابن عطية : بأنه لا يصفه بذلك إلاَّ القائلون، وهم لم يقصدوا وصفه بذلك.
الثالث : أنها حالٌ من فاعل « قالوا »، أي : قالوه جاهلين.
و « مِنْ عِلم » يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ، والجارُّ هو الرافع لاعتماده أو الخبر، و « مِنْ » مزيدة على كلا القولين.
قوله :« كَبُرتْ كلمة » في فاعل « كَبُرتْ » وجهان :
أحدهما : أنه مضمرٌ عائد على مقالتهم المفهومة من قوله :﴿ قَالُواْ اتخذ الله ﴾ أي : كبر مقالهم، و « كلمة » نصب على التمييز، ومعنى الكلام على التعجُّب، أي : ما أكبرها كلمة، و « تَخرُج » الجملة صفة ل « كَلمةٌ » ويؤذنُ باستعظامها لأنَّ بعض ما يهجس في الخاطر لا يجسر الإنسان على إظهاره باللفظ.