قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا ﴾ الآية.
قال القاضي : وجه النَّظم كأنه يقول : يا محمد، إنِّي خلقتُ الأرض، وزينتها، وأخرجتُ منها أنواع المنافع والمصالح، وأيضاً، فالمقصود من خلقها بما فيها من المصالح ابتلاء الخلق بهذه التكاليف، ثم إنَّهم يكفرون ويتمرَّدون، ومع ذلك، فلا أقطع عنهم موادَّ هذه النِّعم، فأنت أيضاً يا محمد لا يهمُّك الحزن؛ بسبب كفرهم إلى أن تترك الاشتغال بدعوتهم إلى الدِّين.
قوله :﴿ زِينَةً ﴾ : يجوز أن ينتصب على المفعول له، وأن ينتصب على الحال، إن جعلت « جَعلْنَا » بمعنى « خَلقْنَا » ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، إن ك انت « جَعَلَ » تصييرية، و « لها » متعلق ب « زَينةً » على العلَّة، ويجوز أن تكون اللام زائدة في المفعول، ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ صفة ل « زينةً ».
وقوله :« لنَبْلُوهُمْ » متعلق ب « جَعلْنَا » بمعنييه.
قوله :« أيُّهمْ أحْسنُ » يجوز في « أيُّهُمْ » وجهان :
أحدهما : أن تكون استفهامية مرفوعة بالابتداء، و « أحسنُ » خبرها، والجملة في محلِّ نصب متعلقة ب « نَبْلُوهُمْ » لأنه سببُ العلم، والسؤال، والنظر.
والثاني : أنَّها موصولة بمعنى الذي و « أحْسَنُ » خبر مبتدأ مضمرٍ، والجملة صلة ل « أيُّهمْ » ويكون هذا الموصول في محلِّ نصبٍ بدلاً من مفعول « لنَبْلُوهُمْ » تقديره لِنَبلُو الذي هو أحسنُ؛ وحينئذٍ تحتمل الضمة في « ايُّهم » أن تكون للبناء، كهي في قوله تعالى :﴿ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ ﴾ [ مريم : ٦٩ ] على أحد الأقوالِ، وفي قوله :[ المتقارب ]
٣٤٨٤- إذَا مَا أتَيْتَ بَنِي مالكٍ | فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ |
والضمير في « لِنبلوهُمْ » و « أيُّهم » عائد على ما يفهم من السِّياق، وهم سكان الأرض. وقيل : يعود على ما على الأرض، إذا أريد بها العقلاء، وفي التفسير : المراد بذلك الرُّعاة. وقيل : العلماء والصلحاء والخلفاء.
فصل في المقصود بالزينة
اختلفوا في تفسير هذه الزينة، فقيل : النَّبات، والشجر، والأنهار.
كما قال تعالى :﴿ حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت ﴾ [ يونس : ٢٤ ] وضمَّ بعضهم إليه الذَّهب، والفضَّة، والمعادن، وضمَّ بعضهم إلى ذلك جميع الحيوان، فإن قيل : أي زينة في الحيَّات والعقارب [ والشياطين ].
فالجواب : فيها زينةٌ؛ بمعنى أنَّها تدلُّ على وحدانيَّة الله تعالى.
وقال مجاهد : أراد الرجال خاصَّة هم زينة الأرض.
وقيل : أراد به العلماء والصلحاء.