قوله :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق ﴾ [ أي : نقص عليك نبأهم ] على وجه الصدق.
قوله :﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ﴾ شبَّان ﴿ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ إيماناً وبصيرة.
وقوله :﴿ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ : فيه التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة؛ إذ لو جاء على نسقِ الكلامِ، لقيل : إنَّهم فتيةٌ آمنوا بنا، وقوله :« وَزِدْنَاهُم » التفات من هذه الغيبة إلى التكلم أيضاً.
ومعنى قوله :« ورَبَطْنَا » وشددنا « عَلى قُلوبِهمْ » بالصَّبْر والتثبت، وقوَّيناهم بنور الإيمان، حتَّى صبروا على هجران ديار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش، وفرُّوا بدينهم إلى الكهف، والرَّبطُ : استعارةٌ لتقوية كلمة في ذلك المكان الدَّحض.
قوله :﴿ إِذْ قَامُواْ ﴾ : منصوب ب « رَبَطْنَا ». وفي هذا لقيام أقوالٌ :
أحدها : قال مجاهدٌ : كانوا عظماء مدينتهم، فخرجوا، فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعادٍ، فقال أكبرهم : إنِّي لأجد في نفسي شيئاً، إنَّ ربِّي ربُّ السموات والأرض، فقالوا : نحن كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعاً، فقالوا :﴿ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض ﴾.
والثاني : أنَّهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس، حين عاتبهم على ترك عبادة الصَّنم، ﴿ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها ﴾ فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم، حتَّى عصوا ذلك الجبَّار، وأقرُّوا بربوبيَّة الله تعالى.
الثالث : قال عطاءٌ ومقاتلٌ : إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النَّوم، وهذا بعيدٌ؛ لأنَّ الله تعالى استأنف قصَّتهم فقال :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم ﴾.
قوله :﴿ لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾.
« إذن » جواب وجزاء، أي : لقد قلنا قولاً شططاً، إن دعونا من دونه إلهاً، و « شططاً » في الأصل مصدر، يقال : شطَّ شططاً وشُطُوطاً، أي : جار وتجاوز حدَّه، ومنه : شطَّ في السَّوم، وأشطَّ، أي : جاوز القدر حكاه الزجاج وغيره، ومن قوله :« ولا تشطط » وشطَّ المنزلُ : أي بعد، [ من ذلك ] وشطَّت الجارية شطاطاً أي : طالت، من ذلك.

فصل


قال الفراء : ولم أسمع إلا « أشطَّ يُشطُّ إشطاطاً » فالشطُّ البعد عن الحقِّ.
قال ابن عباس :« شَطَطاً » أي : جوراً.
وقال قتادة : كذباً. وفي انتصابه ثلاثة أوجه :
الأول : مذهب سيبويه النصب على الحال، من ضمير مصدر « قُلْنَا ».
الثاني : نعت لمصدر، أي : قولاً ذا شططٍ، أو هو الشَّططُ نفسه؛ مبالغة.
الثالث : أنه مفعول ب « قُلنا » لتضمُّنه معنى الجملة.
قوله :﴿ هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا ﴾ : يجوز في « قَوْمنَا » أن يكون بدلاً، أو بياناً، و « اتَّخذُوا » هو خبر « هؤلاء » ويجوز أن يكون « قَوْمُنا » هو الخبر، و « اتَّخذوا » حالاً، و « اتَّخذ » يجوز أن يتعدى لواحد؛ بمعنى « عملوا » لأنهم نحتوها بأيديهم، ويجوز أن تكون متعدية لاثنين؛ بمعنى « صيَّروا » و « مِن دونه » هو الثاني قدِّم، و « آلهة » هو الأول، وعلى الوجه الأول يجوز في « من دونه » أن يتعلق ب « اتَّخذُوا » وأن يتعلق بمحذوفٍ حالاً من « ىلهة » إذ لو تأخَّر، لجاز أن يكون صفة ل « آلهة ».


الصفحة التالية
Icon