﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤ ].
وفائدتها : تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أنَّ اتصافه به أمرٌ ثابتٌ مستقرٌّ، فكانت هذه الواو دالة على أنَّ الذين كانوا في الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
الثاني : أنه تعالى خصَّ هذا الموضع بهذا الحرف الزَّائد وهو الواو؛ فوجب أن يحصل به فائدة زائدة؛ صوناً للفظ عن التعطيل، وليس الفائدة إلاَّ تخصيص هذا القول بالإثبات والتَّصحيح.
الثالث : أنه تعالى أتبع القولين بقوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ ولم يقله في السَّبعة، وتخصيص الشيء بالوصف يدلُّ على أنَّ الحال في الباقي بخلافه، وأنه مخالف لهما في كونه « رجْماً بالغَيْب ».
الرابع : أنه قال بعده :﴿ رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ فدلَّ على أن هذا القول ممتازٌ عن القولين الأوَّلين بمزيد القوَّة والصَّحة.
الخامس : أنه تعالى قال :﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ فدلَّ على أنَّه حصل العلم بعدتهم لذلك القليل، وكلُّ من قال من المسلمين قولاً في هذا الباب، قال : إنهم كانوا سبعة، وثامنهم كلبهم؛ فوجب أن يكون المراد من ذلك القليل هؤلاء الذين قالوا هذا القول، وكان عليٌّ - رضي الله عنه - يقول : كانوا سبعة، وثامنهم كلبهم، وأسماؤهم : ميليخا، مكسلمينا، مسلثينا وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك، وعن يساره : مرنوس، ديرنوس، سادنوس، وكان الملكُ يستشير هؤلاء الستَّة، يتصرَّفون في مهمَّاته، والسَّابع هو الرَّاعي الذي وافقهم، لمَّا هربوا من ملكهم، واسم كلبهم قطميرٌ، وروي عن ابن عباس أنه قال : مكسلمينا، ويلميخا، ومرطوس وبينويس، وسارينوس، وذونوانس، وكشفيطيطونونس وهو الراعي، وكان ابن عباس يقول : أنا من أولئك العدد القليل.
السادس : أنه تعالى، لما قال :﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ قال :﴿ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾.
والظاهر أنَّه لما حكى الأقوال، فقد حكى كلَّ ما قيل من الحقِّ والباطل، ويبعد أنَّه تعالى ذكر الأقوال الباطلة، ولم يذكر ما هو الحقُّ، فثبت أن جملة الأقوال الحقَّة والباطلة ليست إلاَّ هذه الثَّلاثة، ثم خصَّ الأولين بأنه رجمٌ بالغيب؛ فوجب أن يكون الحق هو الثالث.
السابع : أنه قال لرسوله - ﷺ - :﴿ فَلا تُمارِ فِيهمْ إلاَّ مِراءً ظَاهِراً، ولا تَسْتفْتِ فِيهم مِنهُمْ أحَداً ﴾ فمنعه من المناظرة معهم في هذا الباب، وهذا إنما يكون، لو علم حكم هذه الواقعة، ويبعد أن يحصل العلم بذلك لغير النبيِّ ﷺ ولا يحصل للنبيِّ - عليه السلام - فعلمنا أنَّ العلم بهذه الواقعة حصل للنبيِّ ﷺ والظاهر أنه لم يحصل ذلك إلاَّ بهذا الوحي؛ لأنَّ الأصل فيما سواهُ العدم، فيكون الأمر كذلك، ويكون الحقُّ قوله :﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ وهذه الوجوه، وإن كان فيها بعض الضعف إلاَّ أنه لما تقوَّى بعضها ببعضٍ، حصل فيها تمامٌ وكمالٌ.


الصفحة التالية
Icon