وقال مجاهدٌ : الحقُّ يرجع إلى الله تعالى وعليه طريقة، لا تعرج على شيءٍ.
وقال الأخفش : يعني عليَّ الدَّلالةُ على الصراطِ المستقيم.
وقال الكسائي : هذا على التّهديد والتوعيد؛ كما يقول الرجل لمن يخاصمه : طريقتك علي أن لا تفلت منِّي، قال تعالى :﴿ لبالمرصاد ﴾ [ الفجر : ١٤ ].
وقرأ الضحاك، وقتادة، وأبو رجاء، وأبن سيرين، ويعقوب في آخرين :« عليُّ »، أي : عالٍ مرتفعٌ.
وعبَّر بعضهم عنه : رفيع أن ينال « مُسْتقِيمٌ » أن يمال.
قوله تعالى :﴿ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ أعلم أن إبليس لما قال ﴿ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين ﴾ أوهم أنَّ له سلطاناً على غير المخلصين، فبيَّن الله تعالى في هذه الآية أنه ليس له سلطانٌ على أحد م نعبيد الله سواء كان مخلصاً أو غير مخلص، لكن من اتبع منهم إبليس باختياره؛ ونظيره قوله حكاية عن إبليس :﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [ النحل : ٩٩، ١٠٠ ] فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً.
قال الجبائيُّ :« هذه الآية تدلُّ على بطلان قول من زعم أنَّ الشيطان، والجنَّ يمكنهم صرع الناس، وإزالة عقولهم ».
وقيل : الاستثناء متصلٌ؛ لأنَّ المراد ب « عِبَادي » العموم، طائعهم، وعاصيهم و حينئذ يلزم استثناء الأكثر من الأقلِّ.
وأراد بالعباد الخلَّص؛ لأنه أضافهم إليه إضافة تشريفٍ، فلم يندرج فيه الغوون؛ للضمير في موعدهم.
قال القرطبي :« قال العلماء في معنى قوله تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ : يعني على قلوبهم ».
وقال ابن عيينة :« يلقيهم في ذنب ثم أمنعهم بعفوي : أو : هم الذين هداهم الله، واجتباهم، وأختارهم، واصطفاهم ».
فإن قيل : قد أخبر الله تعالى، عن آدم، وحواء صلوات الله وسلامه عليهما بقوله :﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشيطان ﴾ [ البقرة : ٣٦ ] وعن جلمة من أصحاب نبيَّه ﴿ إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٥ ].
فالجواب : أنه ليس له سلطان على قلوبهم، ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهمخ في ذنب يؤول إلى عدم العفو، بل يزيله بالتوبة، ولم يكن خروج آدم عقوبة على ما تقدم بيانه في البقرة.
وأما أصحاب النبيِّ ﷺ فقد مضى القول عليه في « آل عمران »، ثم إنَّ قوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ يحتمل أن يكون حاصلاً فيمن حفظ الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات، وقد يكون ي تسليطه تفريج كربه، وإزالة عمه؛ كما فعل ببلالٍ، إذْ أتاه يهديه، كما يهدَّى الصبيُّ حتى نام، ونام النبي ﷺ، فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، وفزعوا، وقالوا : ما كفَّارةُ ما صَنعنَا في تَفْريطِنَا في صَلاتِنَا؟ فقال لهُم النبيُّ صلى الله عليه سلم « ليْسَ في النَّوْمِ تَفْرِيطٌ » ؛ ففرَّج عَنْهُم.