وذلك أن أهل مكَّة سألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فقال : أخبركم غداً، ولم يقل : إن شاء الله، فلبث الوحيُ أيَّاماً، ثم نزلت هذه الآية.
فصل
اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين :
الأول : أنَّ رسول الله ﷺ كان عالماً بأنَّه إذا أخبر أنه سيفعل الفعل الفلانيَّ غداً، فربَّما جاءته الوفاة قبل الغد، وربما عاقه عائقٌ عن ذلك الفعل غداً، وإذا كانت هذه الأمور محتملة، فلو لم يقل : إن شاء الله، خرج الكلام مخالفاً لما عليه، وذلك يوجب التنفير عنه.
أما إذا قال :« إن شاء الله تعالى » كان محترزاً عن هذا المحذور المذكور، وإذا كان كذلك، كان من البعيد أن يعد بشيءٍ، ولم يقل : إن شاء الله.
الثاني : أن هذه الآية مشتملةٌ على قواعد كثيرةٍ، وأحكام جمَّة، فيبعد قصرها على هذا السبب، إذ يمكن أن يجاب عن الأول بأنه لا يمتنع أن الأولى أن يقول :« إن شاء الله تعالى »، إلاَّ أنه ربَّما اتَّفق له نسيان قول « إن شاء الله » لسبب من الأسباب، وكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل، وأنه يجاب عن الثاني بأنَّ اشتماله على الفوائد الكثيرةِ لا يمتنع أن يكون نزوله بسببٍ واحدٍ منها.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ : قال أبو البقاء : في المستثنى منه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : هو من النَّهي. والمعنى : لا تقولنَّ : افعلُ غداً، إلاَّ أن يؤذن لك في القول.
الثاني : هو من « فاعلٌ »، أي : لا تقولنَّ إني فاعل غداً؛ حتَّى تقرن به قول « إن شاء الله ».
والثالث : أنه منقطعٌ، وموضع « أن يشاء الله » نصب على وجهين :
أحدهما : على الاستثناء، و التقدير : لا تقولنَّ ذلك في وقتٍ إلاَّ وقت أن يشاء الله، أي : يأذن، فحذف الوقت، وهو المراد.
الثاني : هو حالٌ، والتقدير : لا تقولنَّ : أفعل غداً إلا قائلاً :« إن شاء الله » وحذف القول كثير، وقيل : التقدير إلاَّ بأن يشاء الله، أي : إلاَّ ملتبساً بقول :« إن شاء الله ».
وقد ردَّ الزمخشريُّ الوجه الثاني، فقال :« إلاَّ أن يشاءَ » متعلقٌ بالنهي، لا بقوله « إنِّي فاعلٌ » لأنه لو قال : إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله، كان معناه : إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك ممَّا لا مدخل فيه للنهي.
معناه أنَّ النهي عن مثل هذا المعنى، لا يحسن.
ثم قال :« وتعلُّقهُ بالنهي من وجهين :
أحدهما : ولا تقولنَّ ذلك القول، إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه.
والثاني : ولا تقولنَّه إلاَّ بأن يشاء الله، أي : إلاَّ بمشيئته، وهو في موضع الحال، أي : ملتبساً بمشيئة الله، قائلاً إن شاء الله.