واعلم أن هذا تخصيص النصِّ بالقياس، وفيه ما فيه.
وأيضاً فلو قال :« إنْ شَاءَ الله » خفية؛ بحيث لا يسمع، كان دافعاً للحنث بالإجماع، مع أنَّ المحضور باقٍ، فما عوَّلوا عليه ليس بقويٍّ، [ والأولى ] أن يحتجَّ في وجوب كون الاستثناء متَّصلاً بالآيات الكثيرة الدالة على وجوب الوفىءِ بالعقد والعهد؛ كقوله :﴿ أَوْفُواْ بالعقود ﴾ [ المائدة : ١ ] ﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ﴾ [ الإسراء : ٣٤ ]، فإذا أتى بعهدٍ، وجب عليه الوفاء بمقتضاه بهذه الآيات.
خالفنا الدليل فيما إذا كان متَّصلاً؛ لأن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد؛ بدليل أنَّ الاستثناء وحده لا يفيد شيئاً، فهو جارٍ مجرى بعض الكلمة الواحدة، فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة، وإذا كان كذلك، فإن لم يكن منفصلاً، حصل الالتزام التَّامُّ بالكلام؛ فوجب عليه الوفاء بذلك المتلزم.
وقيل : إن قوله :﴿ واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ كلامٌ مستأنفٌ لا تعلّق له بما قبله.

فصل


قال عكرمة : واذكر ربَّك، إذا غضبت.
وقال وهبٌ : مكتوب في الإنجيل « ابن آدمَ، اذكُرنِي حين تغضبُ، أذكرك حينَ أغْضَبُ ».
وقال الضحاك، و السديُّ : هذا في الصَّلاة المنسيَّة.
قال ابن الخطيب : وتعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القضيَّة، وجعله مستأنفاً يصير الكلام مبتدأ منقطعاً، وذلك لا يجوز.
ثم قال :﴿ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً ﴾ وفيه وجوهٌ :
الأول : أن ترك قوله :« إنْ شَاءَ اللهُ » ليس بحسن، وذكره أحسن من تركه، وهو قوله :﴿ لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً ﴾ المراد منه ذكر هذه الجملة.
الثاني : أنَّه لمَّا وعدهم بشيءٍ، وقال معه ( إن شاء الله تعالى ) فيقول : عسى أن يهديني ربِّي لشيءٍ أحسن وأكمل مما وعدتُّكم به.
الثالث : أن قوله :﴿ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً ﴾ إشارة إلى قصَّة أصحاب الكهف، أي : لعلَّ الله يؤتيني من البيِّنات والدلائل على صحَّة نبوَّتي وصدقي في ادِّعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة، وأقرب رشداً من قصَّة أصحاب الكهف، وقد فعل الله ذلك حين آتاهُ من قصص الأنبياء، والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك.


الصفحة التالية
Icon